×
محافظة المنطقة الشرقية

الخارجية : العمل لا يزال قائمًا لاستكمال التحقيقات بشأن الهجمة الالكترونية التي تعرضت لها الوزارة

صورة الخبر

بعد سنتين على إعلانه تمرّده على قانون خفي بالصمت المطبق عن ممارسات التجسّس الإلكتروني الشامل الذي تمارسه «وكالة الأمن القومي» الأميركيّة، يبدو خبير المعلوماتيّة إدوارد سنودن أقرب إلى صورة البطل الفردي المتمرّد، منه إلى صورة الخائن لبلاده التي سعت مؤسّسة النظام الأميركي إلصاقها به إبّان تفجيره فضيحة تجسّس «العم سام» على العالم بأسره إلكترونيّاً. نعم. لم يعد منبوذاً في منفاه القسري في موسكو. ففي الذكرى الثانيّة لتمرّده، كشف سنودن أن رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز التقته أثناء زيارته العاصمة الروسيّة في نيسان (أبريل) الفائت. ويكفي تذكر الضجّة الكبرى التي أثارتها فرنانديز في أواخر العام 2014، عندما ألقت خطاباً ناريّاً على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرّت فيه أساليب أميركا في تسخير المنظمات المالية الدوليّة، كـ «صندوق النقد الدولي» و «البنك الدولي»، للهيمنة على اقتصاديات الشعوب، بل أنها اعتبرت أن ديون بلادها نجمت أصلاً من هيــمنة شركات عملاقة تدعمها الدول الغربيّة على موارد بلادها. وتضمّن ذلك الخطاب الذي أصاب كثيرين بالذهول لأن الأرجنتين حليف ثابت لأميركا في القارة اللاتينيّة، كثيراً من التمرّد على الولايات المتّحدة، ما جعل لقاء فرنانديز- سنودن أقرب إلى لقاء متمرّدين. ألا يبدو أيضاً صورة الثائر الأرجنتيني أرنستو تشي غيفارا تتناسب تماماً مع تلك السياقات المتمرّدة؟ بعد سنتين على تمرّده، لم تعد المؤسّسة الرسميّة الأميركيّة قادرة على الدفاع على نطاق واسع عن موقفها السلبي تجاه سنودن، خصوصاً في أميركا والدول الغربيّة. ولم يعد من الممكن فرض الصمت على صوت سنودن المتمرّد. لا لمعادلة «الحرية مقابل الأمن» صار سنودن واعياً لما يمثّله من خروج عن الخطاب السائد عالميّاً عن الحريّة. إذ نشر مقالاً حمل عنواناً يعبّر أيضاً عن وعيه لتغيّر الرأي العام حيال قضيّته، هو «انتصارنا». وزاد في نبرة الانتصار أن المقال ذا العنوان المتحدّي نشر في شكل متزامن في 4 صحف عالميّة هي «دير شبيغل» الألمانيّة و»نيويورك تايمز» الأميركيّة و»إل باييس» الإسبانيّة و «ليبراسيون» الفرنسيّة. وبوعي واضح، ربط سنودن بين تمرّده من جهة، وتمرّد الأجيال الشابة في الغرب على المعادلة المُرّة التي برزت بعد هجمات الإرهاب في 11/9: الحريّة مقابل الأمن. ودلّل سنودن على ذلك بأن ضغط الرأي العام دفع الكونغرس أخيراً إلى تبني «قانون الحريّة» الذي يحد من قدرة المؤسّسات الاستخباراتيّة الأميركيّة، وذلك للمرّة الأولى منذ 11/9. واستطرد سنودن ملاحظاً أن «قانون الحريّة» لا ينهي المعركة من أجل الحرية، بل أنه يؤكّد أن هناك كثيراً من العمل الواجب إنجازه في سياق الحفاظ على الحريّة والحقوق الشخصية والخصوصيّة الفرديّة. وفي المقابل، يحض واقع الحال على القول إن العصر الرقمي يصعد بالترافق مع تآكل هوامش الحريّة والأمن سويّة، خصوصاً في الفضاء الافتراضي لشبكة الانترنت وفي دواخل الكومبيوتر. واستطراداً، يفرض ذلك الحال بالمناداة بإعادة النظر في مفاهيم تقليديّة سائدة عن ظاهرة الـ «هاكرز» الشديدة التشابك. ولا يغيب عن البال أيضاً أن ظاهرة الـ «هاكرز» لها مناحٍ فائقة الخصوبة، بل أنها مفيدة حتى للشركات العملاقة التي تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد... الـ «هاكرز»! من المستطاع استعادة مثال بارز يتعلق بنظام التشغيل «فيستا» Vista الذي أطلقته شركة «مايكروسوفت» في مطالع العام 2007. فبعد أقل من أسبوع على تلك الانطلاقة، استطاع الـ «هاكرز» أن يثبتوا أنه غير منيع وقابل للاختراق بسهولة نسبيّة، على عكس ادّعاءات صُنّاعه، ما لفت نظر مؤسّسات كبرى إلى ضرورة توخي الحذر قبل تبنّيه في أجهزتها ونُظُمها الإلكترونيّة. أمان زائف حينها، استطاع الـ «هاكرز» اخترق نظام التشغيل «فيستا» عبر الملفات الصوتيّة. وأعقب ذلك انهيار الإحساس الزائف بالأمان الذي شكّل جزءاً من حملة الترويج لذلك النظام. وكذلك شنّ الـ «هاكرز» هجوماً غامضاً نجح في تعطيل الانترنت لما يزيد على 6 ساعات. وكذلك ضربوا الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الذي يفترض أنه حصين. وبعدها، أعلن الجيش السويدي أنه لا يستطيع الوثوق بمستوى الأمن في نظام «ويندوز- فيستا»، فاستغنى عنه لينتقل إلى نظام «لينوكس» Linux المفتوح المصدر. وحينها أيضاً، حقّقت الحريّات الالكترونية انتصاراً لافتاً في ألمانيا التي أصدرت محكمتها قراراً يمنع الأجهزة الأمنيّة من اختراق كومبيوترات المواطنين بحجة الحرب على الإرهاب! وفي التفاصيل، أوردت مُدوّنة الكترونيّة لأحد هواة الكومبيوتر، اسمه جورج أوي، أن صاحبها استطاع اختراق «فيستا» باستعمال ملفات صوتيّة تصدر أوامر إلى «خدمة التعرّف الصوتي» في النظام. ولم تنف «مايكروسوفت» ما أورده أوي، بل اكتفت بتنبيه المستخدمين إلى ضرورة عدم استخدام نظام التعرّف الصوتي من بُعد! وبذا، ضُرِب «فيستا» بسرعة لم تكن متوقعة، وعاد الهاجس الأمني ليقلق أدمغة مستخدميه وصُنّاعه. وفي سياق متصل، استطاعت مجموعة من الـ «هاكرز» أن تحافظ على سريّة هويّتها على رغم تمكّنها من اقتحام نظام الحماية الرقمي في 13 كومبيوتراً مركزيّاً (من نوع «ماين فرايم») من المجموعة التي تسيطر على تدفق حزم المعلومات الإلكترونية عالميّاً. واستمر الهجوم ما يزيد على 6 ساعات، بحسب بيان بدا حينها فريداً من نوعه، صدر من وزارة الداخليّة الأميركيّة. وكذلك من ينسَى «ويكليليكس» (وهي وثيقة الصلة بظاهرة الـ«هاكرز») ووثائقها المــُسرّبّة التي وصفتها مجلة من قلب مؤسّــسة النظام الأميركي، هي «فورين أفيرز» الناطقة بلسان «مجلس العلاقات الخارجيّة»، بأنها أدخلت الديبلوماسيّة إلى عصر جديد؟ بعد سنتين من تمرّد سنودن، تبدو ظاهرة الـ «هاكرز» كأنما تستعد لقفزة نوعيّة اخرى في مسار تطوّرها، لكنه أمر يحتاج مزيداً من النقاش.