من مدوّخات الدماغ، أن تجد سبباً واحداً، ولو واهياً، يضع بين أيدينا فتات إقناع بأن خمسة في المئة من الإنتاج التلفزيونيّ الرمضانيّ، يستحق النجاة من قفص الاتهام. ومع هذا ترانا في هذه المواضع، نضع ألف بوّابة حراسة على مخارج الكلمات. قالوا: نحن أهل الفن للفن. لا دخل لنا بقضايا الناس، فالحكومات مسؤولة عن عقدها وحلّها. من قال إن للفن مسؤولية عن النموّ الاقتصاديّ إذا هوى إلى ما دون الصفر؟ ومن قال إن الفن معلّم أخلاق مسؤول عن تقويم الانحرافات في المجتمع؟ قلنا: ما بني على باطل فهو باطل. هل لديكم برهان واحد على أن ما تقدّمونه فن؟ ببساطة: كم عدد المسلسلات العربية التي تجعل السيارات تختفي من شوارع أوروبا والشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية والشمالية، حين تُبثّ أعمالكم مترجمة أو مدبلجة؟ اتركوا القضايا، ما تتوهمون أنه فن لا يمثل العالم العربيّ لا بالجملة ولا بالمفرّق. وحسناً فعلتم بذكر المسؤولية الاقتصادية. إذا كان اقتصاد العرب لا يهمّكم، فهل أنتم أثرياء إلى حدّ الاستغناء عن جلب العملات الصعبة بالفن؟ بالمناسبة، كم عدد عشرات السنين التي تفصل الإنتاج الفني العربيّ عموماً، عن السينما العالمية في هوليوود وبوليوود والصين واليابان؟ وكم من عقد تحتاجون لبلوغ روائع الرسوم المتحركة الطائرة المحلّقة؟ أنتم مستغنون عن عظمة الفن، وعن العائدات النجوميّة، وكذلك عن الإحساس بالمسؤولية إزاء الشعوب والأوطان. قالوا: هذا افتراء محض، بدليل أن الفضائيات تركض وراءنا، شوقاً وتلهّفاً إلى الحظوة بالسبق. فهي تتطلع إلى الشهر الفضيل، لتغمر الجماهير العربية بالإمتاع والمؤانسة. قلنا: وهذه هي المهزلة المأساة، فلو كان للفضائيات، جلّها لا كلّها، رسالة ذات قيمة وأمانة إزاء الأمّة، لكانت سبقتكم وتركتكم تركضون خلفها، لتشق الطريق وتكون الدليل. أمّا وقد أسلمتم لها القياد، فقد اختارت المنحدرات لأن الهبوط أسهل من الصعود. لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: شركات الإنتاج خانها الخيال، وإلاّ فإن وضعها موضوع تحفة، شركات عربيّة لا علاقة لها بالعرب. abuzzabaed@gmail.com