إن اصطناع المواجهة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي سلوك يتنافى مع التاريخ الإسلامي. فليست الشريعة كلها أحكاماً إلهية تكون لها القداسة والعصمة، لأن الكثير من أحكامها هو نتاج فكر فقهاء المسلمين في الفترة بين القرنين الثاني والرابع الهجري، وليست أحكام القانون الوضعي كلها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ إنه فيما عدا بعض الأحكام القليلة والقليلة جدا، التي تعد على أصابع اليد الواحدة وقد وضعت لمواكبة التطور في المعاملات. يبقى النظام القانوني في الكويت موافقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ولا يتعارض معها. ومن أجل ذلك تكون هذه المواجهة المصطنعة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي سلوكاً ربما يقصد به القضاء على حرية الفكر الإنساني وإبداعاته بصورة تتنافى في النهاية مع مبادئ الإسلام نفسه، يؤكد ذلك أن الحديث الشريف يخبرنا بتشجيع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لإعمال الفكر والاجتهاد في وضع الحلول لمشاكل الناس، عندما أقر معاذ بن جبل وشجعه على أن يحكم برأيه إذا لم يجد حكما في الكتاب أو السنة، وكل باحث في الفقه الإسلامي يعلم أن آيات المعاملات في القرآن قليلة، وأغلبها مجمل، وقد كان ذلك من رحمة الله بعباده، حتى يعملوا عقولهم في أمور دنياهم. فإذا سكت النص تدخل العقل لوضع الحلول اللازمة لتغطية الأمور التي تركها النص. وطبيعي أن يكون ما يضعه الأولون من حلول مخالفا لما يمكن أن يضعه المحدثون، لاختلاف الظروف بين الفريقين. ومن يقل بغير ذلك يضع وصاية على عقولنا بصورة لا تستقيم مع ما تدعو إليه الشريعة من احترام للعقل الإنساني. وليس هناك أبلغ من تقدير رسول الإسلام للعقل الإنساني من أنه يوم أن مات ابنه إبراهيم تصادف أن كسفت الشمس، فقال الناس لقد كسفت الشمس لموت إبراهيم. ولكن لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحترم العقل الإنساني أبى أن يترك هذه الخرافة تنتشر بين الناس، ونادى في الناس قائلا إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد أو لحياة أحد. وعلى ذلك، فإن اختلاف وجهات النظر حول أمور الحياة أمر وارد، والشريعة الإسلامية تقبله طالما كان هناك حوار هادف قائم على أسس علمية ومنطقية سليمة، لأن الإسلام كان وما زال وسيظل دائما الميثاق الأول لحقوق الإنسان. هكذا أراده الله ويجب أن يكون. وعلى ذلك فإن ما يطلقه البعض من اتهام بالكفر أو الجهالة لكل من يناقش الأحكام الشرعية يكون جاهلا بأحكام الشريعة الإسلامية. إن أحدا منا لا يرفض أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي الفلسفة التي تقوم عليها تشريعاتنا، ولكننا نختلف في بعض أمور في المعاملات كان للأولين فيها رأي يتفق مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت سائدة، وأصبحت الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية بعيدة عنها كل البعد، وهذا تفكير لا يتعارض مع الفكر الإسلامي، ولا داعي لأن يقابل بالتشنجات والاتهامات.(يتبع…) مصطفى الصراف