×
محافظة المنطقة الشرقية

شاهد.. وافد سقط من عمارة في الجبيل.. فتوفي في الحال

صورة الخبر

المرأة في بلادنا غير مسؤولة عن الصورة الذهنية المشوشة في أذهان الآخرين عن مفهوم الحرية، وليست معنية بالتصرفات غير الأخلاقية وغير المسؤولة من الثنائيات المثيرة للجدل عبر كل الأزمان ثنائية الحرية والعبودية، والتي تنتصر الفطرة السوية للأولى فيها، باعتبار أن كل إنسان يولد فهو بالضرورة حر، ما لم يستعبده آخر بالقوة. لكن قبل هذا ما المقصود بالحرية حينما نتحدث عنها؟ ولماذا يبدو تعريفها شائكا ومتباينا حد الاختلاف من شخص لآخر؟ للحرية عدة تعاريف تختلف من مدرسة فلسفية لأخرى، ومن مجال لآخر، ولكنها تكاد جميعها تتفق في أنها «غياب الإكراه»، وتلتقي في أن كون الفرد حرا يعني بالمقام الأول أن يكون لديه الخيار فيما يريد وما يقرر وكيف يتصرف، دون قيود تحدّ من قدراته أو تمنعه من فعل ما يريد أو اعتقاد ما يشاء. والحرية هنا لا تعني تجاوز حريات الآخرين أو الحدود الإنسانية والأخلاقية التي يجمع عليها البشر، ولم تكن يوما تسير في هذا الاتجاه الذي ينحى نحو التفسخ الأخلاقي على مستوى الأفراد والمجتمعات أو الانفلات الأمني أو العبث الاقتصادي على مستوى الدول. وقد قامت العقود الاجتماعية السوية حول العالم على مبدأي الحرية والمساواة، والعقد الاجتماعي كما هو معلوم هو ما ينظم علاقات الأفراد مع بعضهم البعض ومع السلطة التي تتمثل في الحكومات والدساتير والقوانين الدولية في الوقت الحالي. ومن هنا نشأت الحركة الليبرالية التي هي ترجمة حرفية لكلمة «حرية» وبدأت كحركة سياسية ثم اجتماعية وانتشرت حول العالم حاملة عدة آراء قائمة بشكل خاص على قيم الحرية والمساواة للجميع. ولكن هل تتعارض مبادئ الحرية مع مبادئ الإسلام كدين؟ بالطبع لا؛ بل هي من الأسس التي يقوم عليها الإسلام ويشار إليها في أكثر من موضع في القرآن الكريم، بدءا من حرية الاختيار: «وهديناه النجدين» فله الخيار في اختيار طريق الخير أو الشر، مرورا بحرية المعتقد: «لكم دينكم ولي دين» وبها قامت دعوة الرسول محمد عليه السلام منذ البدء، وليس انتهاء بحرية العمل: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم». وعلى مستوى المجتمع فإن الرسول عليه السلام حينما هاجر من مكة إلى المدينة ليؤسس مقرا لدولته الحديثة العهد كان يعلم أن يثرب عريقة في التاريخ وتضم نسيجا اجتماعيا متنوعا دينيا واقتصاديا واجتماعيا، فلم يكن بالدين الإسلامي إلا مؤكدا على هذا التنوع القائم على الحرية العقائدية والاجتماعية ولم يقاومه، بل نظمه بعقد اجتماعي يحافظ على تلك الحريات ويرعاها، عرف ذلك العقد بـ«ميثاق المدينة» ويعتبر من أقدم العقود الاجتماعية في الجزيرة العربية. إذا لم يكن الدين الإسلامي يوما مناهضا للحرية أو مقاوما لها، وما النكسة الأخلاقية والاجتماعية التي أصابته ليرى في الحرية غير ما تحتمل من معنى سام، سواء كانت بلفظها العربي أو الإنجليزي إلا بسبب الفهم والعمل الخاطئ لها كقيمة دون وعي كاف بها. لماذا يتحسس مجتمعنا وينتفض حينما تقول المرأة بالذات دون الرجل إنها حرة؟ سنقفز على كثير من الأسباب التي تشكلت مع الظروف السياسية والاجتماعية في الأربعين سنة الأخيرة لمجتمعنا، خاصة تلك التي كانت نتيجة لنكسة ما سمي بالصحوة والتي كانت سببا في نشأة جيل يحمل قيما قائمة على الفردانية وكراهية الآخر ونبذ المرأة وتحميلها كل الشرور، محاولا عزلها عن المشهد الحياتي حتى صارت هذه القيم كالأساس الذي يعتقده ويحارب من أجله، ولم نتخلص من آثاره حتى اللحظة، ونعود لقصة من التراث في الأغلب أنها قرئت منفردة أو ضمن مناهج دراسية في مراحل مبكرة لذلك الجيل والذي يليه، والأغلب أيضا أنها ما زلت تتداول ويؤمن بها. تقول تلك القصة: إن سيدة من الأعراب اسمها أمامة بنت الحارث أوصت ابنتها عند زفافها عدة وصايا وقد بدأتها بالمقطع الشهير: «كوني له أمة يكن لكِ عبدا» حتى آخر وصاياها؛ وهنا تجعل تلك الوصية الحياة بين المرأة والرجل قائمة على معادلة العبودية، والخضوع. ولأن المجتمع ينتصر للرجل دائما ويتغلب عليه النزعة الذكورية فيما مضى وحتى الآن فإن مبدأ المرأة الأمة أو الجارية هو القائم في التعامل الحقيقي بين كثير من الأزواج والأسر وبين علاقة المرأة والرجل في المجتمع بشكل عام. الأذهان التي نشأت على هذه النظرة للمرأة والتي تتداولها عبر قصصها التراثي، وتدعمها بالديني المغلوط، ترى أن المرأة بالفعل ليست إلا مجرد تابع للرجل، ومخلوقة لأجل تنفيذ وصايا الأعرابية، وترى أن الخروج عن هذا السياق هو الخروج عن الحق والدين والقيم. ويزعجها ويخيفها أن تكون المرأة يوما حرة مستقلة. حينما اختار الله لنا الإسلام دينا لم يميز في تعاليمه أو دعوته بين ذكر وأنثى، بل قد وضعهما في مقام واحد في التكليف وعند الحساب: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا»، ولكن غلبة العادات الاجتماعية والأعراف عادت لتقلل من شأن المرأة وتبالغ فيه حتى جاء العصر الحديث وما تتطلب فيه الحياة اليومية من المشاركة بين الجنسين في العمل والحياة العامة وصارت المرأة تقاوم ذلك التيار الذي يعود بها لعصر «الجارية» المشغولة بتنفيذ الوصايا العشر. لذا فعندما تطالب المرأة في بلادنا بأن تكون حرة أو تقول عن نفسها إنها كذلك فهي غير مسؤولة عن الصورة الذهنية المشوشة في أذهان الآخرين عن مفهوم الحرية، وليست معنية بالتصرفات غير الأخلاقية وغير المسؤولة التي يمارسها البعض تحت مسمى الحرية، ولا يعني مطالبتها بحريتها عبر اكتمال حقوقها في التعليم والولاية على نفسها والمواطنة والتصرف في شؤونها أنها تطالب بالانحلال والانفلات الأخلاقي، وليس ذنبها أن الإسلام الذي عاملها كفرد سوي مكلف محاسب مسؤول عن تصرفه وخياراته وقراراته قد حُرفت وبدلت تشريعاته بما يتماشى مع أعراف تنتقص من إنسانيتها. لم تكن الحرية يوما عبئا على أي إنسان حر واع واثق بما يعمل، بل إن الرجال والنساء الأحرار هم الأكثر مسؤولية وحرصا على سلامة المجتمعات مما يضرها وتطويرها، وبتحديد أكثر فإن الرجال الأحرار هم الأكثر ثقة بحق المرأة في حريتها مثلهم، ويعلمون أن كل مسافة ثقة وحرية يعمل فيها الإنسان تعود بضعفها من المسؤولية والحرص. وبعيدا عن ثالوث التجريم والتحريم والتأثيم أتوجه إلى كل رجل منزعج ومقاوم لحرية المرأة وأسأل: هل أنت حقا حرّ؟!