توقع عقاريون سعوديون أن يقل الطلب على الوحدات السكنية الجاهزة التي ازدهرت أخيرا، تزامنا مع تطبيق مؤسسة النقد العربي السعودي اللائحة الجديدة للتمويل العقاري التي تنص على وجوب توفير 30 في المائة من قيمة العقار عند الرغبة في الشراء من جهات التمويل؛ حيث أكد مهتمون بالشأن العقاري أن يقل نمو الوحدات السكنية بنحو 70 في المائة، نظرا إلى أن نسبة كبيرة من المشترين، قياسا بالفترة الماضية، يتملكون الوحدات السكنية عن طريق تمويل كامل من الممولين؛ مما يجعل التملك الآن أكبر صعوبة في ظل ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة بشكل عام التي تصعب من الادخار. وتضيف اللائحة التي أقرتها مؤسسة النقد تحديات جديدة للقطاع الذي يعاني التراخي والتباين في مؤشراته والإقبال عليه، إلا أن الأصداء العامة للقرار إيجابية نظرا لتجنيبها السوق الوقوع في فقاعات عقارية مستقبلية أو تحميل البنوك عجزا كبيرا في حال تخلف بعض المقترضين عن السداد، إلا أن السلبية الكبرى للقرار هي خفضه لنمو الوحدات السكنية نظرا لتناقص المشترين الذين وقفت أمامهم عقبة الدفعة الأولى بحسب تأكيدات مهتمين عقاريين. وقال عبد الله الرويس، الذي يدير شركة عقارية قابضة، إن «القرار الجديد سينعكس بشكل مباشر على نمو الوحدات العقارية بشكل عام، والفلات بشكل خاص، خصوصا لشريحة متوسطي الدخل، وهي الشريحة الأكثر استهدافا في أوقات سابقة، إلا أن هذه الفئة ستسجل ضمورا ملحوظا خلال الفترة المقبلة»، متوقعا أن «يكون التوجه القادم لصالح بيع الشقق التي من المحتمل أن تكون هي البديل المناسب في ظل انخفاض أسعارها بشكل نسبي، الأمر الذي يجب أخذه في الحسبان نظرا لتحميل المشتري الدفعة الأولى التي ستكون حجرا عثرة أمام خيارات المواطن في التملك». وأردف الرويس بأن «مفاجئة القرار كانت هي المشكلة الكبيرة التي ستقلب حال السوق أكثر مما هو عليه؛ حيث إن المستثمرين يقومون ببناء الوحدات السكنية من أجل بيعها على المشتري عن طريق البنوك وشركات التقسيط، إلا أن اللائحة الجديدة لـ(ساما) ستقتص جزءا كبيرا من النشاط العام للقطاع العقاري نتيجة صعوبة توفير الـ30 في المائة من الدفعة الأولى الملزمة». يشار إلى أنه ومع بداية العام الهجري الجديد، طبقت مؤسسة النقد العربي السعودي لائحة التمويل العقاري الجديدة التي جاء على رأسها: تحديد الدفعة الأولى للباحثين عن تملك السكن بنظام التقسيط من خلال دفع 30 في المائة من القيمة العامة للعقار، على أن يجري منح النسبة المتبقية من شركات التمويل أو البنوك التي حصلت على رخص التمويل العقاري من المؤسسة. وفي صلب الموضوع، أكد إبراهيم العبيد، الخبير العقاري، أن هذا القرار كفيل بأن يغربل القطاع العقاري ككل، خصوصا للمستثمرين الذين استبشروا خيرا خلال السنوات الأخيرة بإقرار التمويل العقاري، إلا أن اللائحة الجديدة أفسدت جميع المشاريع التجارية القادمة، لافتا إلى احتمالية أن «يقل نمو الوحدات السكنية لأكثر من 70 في المائة، وهي نسبة واردة إلى حد كبير، خصوصا أن أكثر المتعاملين يتبايعون عن طريق التمويل العقاري الذي من المحتمل أن يؤثر حتى على الخطط الخمسية للشركات التي ستحجم عن إنشاء المشاريع التجارية حتى يجري تعديل القرار أو تصريف ما تمتلك»، مبينا أن «الخاسر الأكبر هو المشروعات السكنية التجارية الجبارة التي على وشك أن تطرح للبيع أو على وشك التشطيب، وأن هذا القرار من المتوقع أن ينعكس على السوق ويفرض حرب أسعار لضمان تصريف وحدات لتسديد المستحقات وعدم تركها معلقة دون سكن، خصوصا أن تقادم العمر يؤثر بشكل سلبي على الأسعار في كل عام». وأضاف: «رغم إيجابية القرار الذي من المتوقع أن يخفض الأسعار بنسب تتجاوز الـ10 في المائة، إلا أنه لم يراع حال المطورين العقاريين وارتباطهم بعقود، فبعضهم يفضل طريقة الدفع لشركات المقاولات بالآجل، ما قد يوقعهم في حرج كبير مع شركائهم الذين بدأوا الدخول في مشاريع حكومية على حساب التجارية، في ظل تخبط الثانية»، لافتا إلى أن «الشركات التي استطاعت الدخول في مشاريع الحكومة هي فقط من كسب الرهان وتستمر في تحقيق الأرباح، وهو السيناريو الأكثر ربحية في السوق خلال السنوات الأخيرة»، مشيرا إلى أن «القطاع العقاري لم يعد جاذبا لرؤوس الأموال كما كان في السابق، إلا أن يكون شريكا مطورا في المشاريع الحكومية، وهو الأمر الذي يقتصر على الشركات الجبارة ذات الإمكانات الكبيرة». وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أقرت أخيرا لائحة التمويل العقاري بعد أن وجدت أن التمويل العقاري بنسخته السابقة بدأ يسير في الاتجاه الخاطئ في ظل تساهل البنوك والمؤسسات المالية المصرحة في إعطاء القروض للعملاء بفوائد عالية وعلى سنوات طويلة تصل إلى 3 عقود، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضع المقترض في مأزق كبير قد يتسبب في تعثره ماليا، وبالتالي عدم قدرته على السداد، خصوصا أن نسبة كبيرة من العملاء لا يمتلكون مهارة تقييم الوضع المادي وأخذ القرض المناسب للحالة، ويتضح ذلك من تمويل البنوك والشركات المالية القروض بحدها الأعلى رغم اختلاف ظروف المقترضين. وفي الاتجاه الآخر، أبدى محمد السعيدان، الذي يمتلك مكتبا للاستشارات العقارية، ارتياحه من القرار؛ حيث أكد أنه «يحمي القطاع العقاري ككل من الانهيار، وأنه لا ينظر فقط إلى ما أسفل قدميه، بل إن نظرة القرار شمولية، ويصل أثرها إلى العقود القادمة»، موضحا أن «أكبر كارثة قد تواجه العقار هي الاستمرار في إعطاء القروض العقارية دون حذر، وبالتالي قد تتعرض السوق لانتكاسة كبيرة قد تمس الاقتصاد العام تماما، كما حدث في أميركا وأزمتها المالية التي بدأت بسبب تعثر القروض العقارية، وبدأت تتجاوزها بصعوبة كبرى، وهو السيناريو الذي تسعى (ساما) جاهدة إلى عدم تكراره، لذلك تجدها تضيق الخناق وتكثف التدقيق على ملف القروض العقارية بشكل يتجاوز القروض الشخصية التي تصل أعلى مدة لسدادها إلى 5 سنوات، بعكس العقارية التي تمتد إلى 3 عقود». وبالتعريج إلى نظرته للقطاع العقاري، أشار السعيدان إلى أن «المستقبل هو لبناء الشقق السكنية التي بدأت تتزايد خلال السنوات الـ10 الأخيرة»، لافتا إلى أن «المواطنين بدأوا يتقبلون فعليا فكرة السكن في الشقق بعد أن كانت محصورة ولسنوات طويلة في الوافدين»، متوقعا أن يكون خيار التملك فيها الخيار الأول، خصوصا لفئة الشباب، وهم الفئة الأكثر طلبا على تملك المساكن، وبالتحديد أصحاب العائلات الصغيرة.