بعد نحو ثلاثة أسابيع على صدمة سقوط صنعاء في قبضة الحوثيين، استكملت جماعتهم أمس بسط سيطرتها الكاملة على مدينة الحديدة (غرب) المطلة على البحر الأحمر، من دون أن يواجه مسلحو الجماعة أي مقاومة. كما بدأوا إقامة نقاط تفتيش في مدينة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، فيما احتشد عشرات الآلاف من الجنوبيين في تظاهرة شارك فيها للمرة الأولى أنصار التجمع اليمني للإصلاح في مدينة عدن، للاحتفال بذكرى ثورة «14 أكتوبر» ضد الاحتلال البريطاني، ولتجديد مطالبتهم بفصل جنوب اليمن عن شماله. (للمزيد) وتسارعت وتيرة التطورات غداة تكليف الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً جديداً للوزراء بالتوافق مع القوى السياسية، في سياق التسوية المعروفة بـ «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، فيما تصاعدت هجمات تنظيم «القاعدة» على قوات الجيش والأمن وأنصار جماعة الحوثيين. مصادر أمنية في محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر وشهود، رووا لـ «الحياة» أن مئات من مسلحي الحوثيين أحكموا أمس سيطرتهم على كل المناطق الحيوية في المدينة، بما فيها الميناء ومطاران مدني وعسكري، بعدما سيطروا على ثكنة للجيش في بلدة باجل المجاورة تتبع «الفرقة الأولى المدرعة» التي كانوا أسقطوها في صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي. وأقام الحوثيون نقاط تفتيش في شوارع المدينة وعلى مداخلها الرئيسة، من دون أن يواجهوا مقاومة من قوات الجيش والأمن التي تلقت تعليمات من قادتها في صنعاء بعدم الاشتباك مع مسلحي الجماعة. وذكر شهود أن «مئات من هؤلاء المسلحين توجهوا جنوباً ويُعتقد بأنهم في طريقهم إلى استكمال السيطرة على بقية الشريط الساحلي الغربي، وصولاً إلى باب المندب». وفي مدينة ذمار، تحدث شهود عن «نقاط تفتيش للحوثيين في مداخل المدينة ووسطها وجوار مبنى المحافظة»، بالتزامن مع اشتباكات في مدينة رداع إلى الشرق من ذمار والتي تتبع محافظة البيضاء، وذلك بين عناصر من الجماعة ومسلحين من تنظيم «القاعدة»، ما أدى إلى سقوط خمسة قتلى وعدد من الجرحى من الجانبين. وقُتِل أمس ضابط برتبة مقدم في الجيش اليمني، يقود إحدى كتائبه في مدينة عتق مركز محافظة شبوة، وجرح أربعة جنود بعد تعرّضهم لإطلاق نار من مسلّحي تنظيم «القاعدة». وبينما تواترت أنباء عن توافد عشرات من مسلحي «القاعدة» من حضرموت إلى مأرب، حيث أقاموا معسكراً تدريبياً لهم استعداداً لمواجهة الحوثيين، شيعت جماعتهم في صنعاء أمس جثامين 40 من أنصارها ممن قتلوا بالتفجير الانتحاري الذي استهدف تظاهرة لهم وسط العاصمة الخميس الماضي. وعلى وقع اجتياح الجماعة الموالية لإيران مناطق شمال اليمن، احتفل عشرات الآلاف من الجنوبيين وسط مدينة عدن أمس، بعد توافدهم من كل المناطق لإحياء الذكرى الحادية والخمسين لثورة «14 أكتوبر» ضد الاحتلال البريطاني، ولتأكيد مطلب الانفصال عن الشمال واستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل عام 1990. وللمرة الأولى منذ انطلاق احتجاجات «الحراك الجنوبي» في 2007، دعا حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) في عدن أنصاره الجنوبيين للانضمام إلى التظاهرة الحاشدة. وأكد في بيان أنه «يؤيد حق الجنوبيين في تقرير المصير»، ما اعتُبِر مناورة من الحزب بورقة الانفصال في وجه الحوثيين الذين قضوا على نفوذه العسكري والقبلي في الشمال. ومنع المتظاهرون الجنوبيون شخصيات حوثية من حضور الاحتفال، معلنين بدء اعتصام مفتوح حتى تحقيق مطالبهم. وقال الزعيم في «الحراك» حسن باعوم: «الحشود المليونية عقدت العزم على الحسم لتفرض الفعل الثوري الثابت على الأرض، ولتأكيد الحق الشرعي لشعب الجنوب، بموجب كل الأعراف والمواثيق الدولية». وبشَّر الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض في خطاب موجّه إلى أنصاره في المناسبة، بقرب تحقق مطالبتهم بالانفصال عن الشمال، وقال: «منظومة اليمن العسكرية انهارت واستعادة دولة الجنوب باتت قريبة». وعلمت «الحياة» من مصادر ديبلوماسية في نيويورك أن المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن جمال بنعمر أبلغ مجلس الأمن أن الحوثيين «استخدموا استراتيجية مطابقة للتي استخدمها حزب الله، في لبنان، للسيطرة على مناطق معينة في صنعاء وباقي اليمن والانخراط في العملية السياسية مع الإبقاء على ميليشيات مسلحة ومحاولة تعيين ضباط كبار في الجيش موالين لهم»، مشيراً الى أنه «لاحظ اهتمام إيران بموضوع دخول الحوثيين الى صنعاء». وحسب المصادر نفسها أبلغ بنعمر المجلس أن «لديه أدلة على تحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع الحوثيين ما مكنهم من السيطرة على صنعاء» وأنه «حض مجلس الأمن على فرض عقوبات على مقوضي العملية السياسية عملاً بقراراته المتعلقة باليمن». ويستعد مجلس الأمن لمناقشة تقرير لجنة العقوبات على اليمن التي «أجرت تحقيقات في اليمن ودول أخرى وستقدم أدلة الى المجلس عن تورط مقوضي العملية السياسية في أعمال تهدد العملية الانتقالية والسلم والاستقرار في اليمن».