×
محافظة المنطقة الشرقية

الذيب…ما يهرول عبث!

صورة الخبر

غضب مكتوم وزخم مهموم ونشاط محموم، لكن يظل قيد خيوط العنكبوت تارة، وأحاديث المقاهي النخبوية تارة أخرى، وحبيس الصدور المحتفظة بقدر من نوستالجيا التغيير وفانتازيا التطهير على رغم أنف رياح التسليم بأن كله تمام وأنه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان. وكانت دوائر الناشطين ومجموعات الشباب وبعض من الغاضبين وغير الراضين عن أداء النظام الحالي فوجئت بأنباء القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش، ما أدى إلى تفجر ينابيع الغضب وإطلاق عناقيد السخط التي تظل مغلقة على أصحابها بعيدة من نبض الشارع المثقل بهموم من نوع آخر. جاويش مؤسس صفحة «الورقة» على «فايسبوك» والذي اشتهر مع هبوب رياح كانون الثاني (يناير) 2011 عبر تدوينات ورسوم كاريكاتيرية ذات حس انتقادي ساخر وملامح طفولية ونبرة معارضة ذات نكهة شبابية تحمل قدراً غير قليل من اليأس والإحباط، ألقي القبض عليه بعدما «توافرت معلومات للإدارة العامة لمباحث المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية وأكدتها التحريات عن اضطلاع فايد محسن محيي فؤاد الشريك في شبكة أخبار مصر بمعاودة نشاطه في استخدامها في بث أخبار من دون تصريح، وتم ضبط إسلام نعيم إبراهيم محمد جاويش مسؤول رسوم الغرافيك في الوكالة، وتبين أن المتهم يدير موقعاً خاصاً به على شبكة المعلومات الدولية من دون ترخيص بالمخالفة لقانون تنظيم الاتصالات، ومن دون الحصول على التراخيص اللازمة»، وذلك وفق وزارة الداخلية، قبل اخلاء سبيله من النيابة أمس على ذمة التحقيق. لكن تصريح الداخلية وبياناتها ومخاطباتها التي باتت تلقى آذاناً صاغية وعقولاً صاغرة لدى رجل الشارع لم تلق أذناً ولا عقلاً ولا حتى مجالاً للتفكير أو حيزاً للتعليل من قبل الغاضبين. فجاويش الذائع الصيت على شبكة الإنترنت لم يُعرف عنه دعمه أو موالاته للنظام الحالي. رسومه التي ذاع صيتها في شهور ما بعد الثورة لطالما عكست نقاء في المعارضة وتعبيراً حقيقياً عن معاناة المصريين، لا سيما الشباب. فرسومه ليست كلها سياسية، وأوجاعه لا تقتصر على الجوانب التي عادة يركز عليها الناشطون والحقوقيون من معارضة وتعبير سياسي ومطالبة بالحق في التظاهر وإسقاط الأنظمة وتفتيت المؤسسات الأمنية لإعادة بنائها على أسس سليمة. وعلى رغم أنه رسم حديثاً كاريكاتيراً يمثل النائب مرتضى منصور بعدما أصبح وكيلاً للجنة حقوق الإنسان وهو المعروف بتهديده الدائم لخصومه بفضحهم وشتمهم وهو يسلم مواطناً للشرطة ويقول له: «اجلد أمه بس بالراحة». «هذا النظام لن يرتاح إلا بعد أن يتم إيداع كل صوت معارض السجون»، غرّد أحدهم، فما كان من آخر إلا أن ردّ عليه بأن «هذا النظام لن يرتاح إلا بعد أن يطهر البلد من كل خائن وعميل». وأخذت دوائر الدفاع عن جاويش تدور في نقد «النظام القمعي» و «الفكر العقيم» و «ذعر دولة من ورقة»، وفي المقابل إما عدم معرفة بجاويش أصلاً أو معرفة لكن من دون تعضيد بل تلويح بانتماءاته السياسية أو توجهاته الفكرية أو دعوة إلى الانتظار إلى حين تبيان الموقف. لكن الموقف العام يشير إلى غضب في دوائر شبابية وحقوقية لا يخلو من إحباط واضح يؤججه توجه واضح من النظام مدعوم بسكوت كامل من الغالبية لتطويق الأصوات والجهود المعارضة من منطلق أن «البلد لن يتحمل مزيداً من النبش، حتى وإن كان بنوايا طيبة». النبش في «فايسبوك» والتنقيب في «تويتر» يسفران عن حراك واضح مع الذكرى الرابعة لمأساة «استاد بورسعيد» التي راح ضحيتها 74 من مشجعي النادي الأهلي لكرة القدم، والتي أججها هذا العام خبر القبض على جاويش باعتبار كليهما مدعاة للإحباط ودليلاً على انتحار المنطق. الهاشتاقات الأكثر تداولاً على «تويتر» طغى عليها إسلام جاويش وسيطرت عليها ذكرى بورسعيد وتداولها متصفحو الإنترنت تصفحاً طغى عليه التضامن والتعاطف. تعاطف المصريين الشعبي مع الضحايا والمظلومين أصابه منذ هبوب رياح الربيع استقطاب فكري وتحيز ايديولوجي. وقد بدا ذلك واضحاً وضوح الشمس مع ذيوع نوع من التحفظ في التضامن مع جاويش أو إعادة إحياء ذكرى شهداء بورسعيد، فسره رجل ستيني في حوار مع أصدقاء جلسة المتقاعدين الشتوية الصباحية بقوله: «ربنا يرحم الجميع وينصر المظلوم، لكننا في أمس الحاجة إلى التركيز على القادم لأننا «مازلنا رجل في طريق السلامة والأخرى في سكة الندامة». وعلى رغم ذلك يقول: «ربما هذه محاولة لإلهائنا عن البليون و134 مليون جنيه حصيلة فساد وزارة الداخلية» في القضية التي هزت أرجاء مصر في اليومين الماضيين. وبين احتمالات الإلهاء بعيداً من حجم الفساد وإمكانات الإصرار على المضي قدماً في معاداة «ورقة» بها رسم كاريكاتيري أو تجهيل مقترف مجزرة في الاستاد، تدور دوائر المصريين بين قلة غاضبة متمسكة بالأمل بالتغيير والرغبة في التحسين، وغالبية تغض الطرف ممسكة بتلابيب الأمل بأن يحدث التغيير من دون مزيد من الصخب ويجري التحسين من دون مزيد من الخراب.