لا يمكن أن يجتمع الفكر الحر مع فكر الإخوان المسلمين.. لهذا بدأت حملة احتجاجية على موقع الحوار المتمدن تدين وتستنكر بل وتطالب بسحب جائزة مؤسسة ابن رشد الألمانية لزعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس راشد الغنوشي. هذه الجائزة أحدثت صدمة في أوساط المثقفين والناس المستقلين، حيث يرى المطالبون بسحب الجائزة أن الرجل يُعبّر عن موقف سياسي بعيد كل البعد عن أهداف المؤسسة واستقلاليتها وعن اسم ابن رشد صاحب الفلسفة والأفكار العميقة التي خلّدها في تاريخ العلم الإسلامي من خلال أطروحات غيّرت الكثير من الرؤى الجامدة خصوصًا في العلوم الدينية. لذا في كل عام تمنح هذه المؤسسة لشخصية تزيد من قناعة الناس باستقلاليتها، ويكون تشريفًا للشخصية الارتباط باسم ابن رشد الذي عانى في حياته من شيوخ التكفير والظلام ولم يكتف شرورهم حتى بعد مماته، وفي كل هجوم عليه سواء في الزمن المعاصر أو في صفحات التاريخ يزيد التنويريون حبًا واهتمامًا بفلسفته وبحثًا في روائه وأفكاره التي بقيت وستبقى خالدة. راشد الغنوشي بعد أحداث الربيع العربي لم يخيّب آمال التونسيين وحدهم، بل ظهر أمام العالم أجمع بشكل جديد لم نعهده عندما كنا نتابع راشد الغنوشي المثقف والمفكر أيام ما قبل الربيع العربي. فهو قد ظهر ككل أفراد جماعة الإخوان المسلمين حاملاً معه فكرة دولة الخلافة التي تسعى إلى تمكين هذه الجماعة من مقاعد الحُكم في العالم العربي! وبشهادة التونسيين أنه صاحب مشروع عرقلة الديموقراطية والتي كان ينتظرها هذا الشعب وسعى إلى تحقيقها، إلا أنه نجح في تقسم الشعب التونسي وإيجاد تصنيفات حديثة عهد في هذا المجتمع، ودعمه للمتشددين والمتعصبين ممن لم نكن نعلم أن لهم وجود في تونس ما قبل الربيع العربي. بل وأظهر أنه صاحب مشروع تعصبي لا يمكن أن يتوافق وثقافة الشعب التونسي التي فاقت غيرها من البلدان العربية، كذلك اعتبار هذه الجائزة توجيه (لا أخلاقي) في مسار الانتخابات البرلمانية، فلو أحسنا الظن بالجائزة فلا يمكن -مُطلقًا- إحسان الظن بتوقيتها. إن مثل هذه الجائزة مرتبطة باسم مفكر حر وصاحب مشوار نضالي طويل في وجه الظلام كابن رشد، ينبغي أن تكون بحجم المسؤولية والاستقلالية، فكثيرًا ما تُحبطنا الجوائز العربية وآلية توزيعها التي أثبتت في كثير من الأحيان عدم حياديتها، واليوم تنضم مؤسسة ابن رشد للفكر الحر إلى قافلة الجوائز غير المستقلة، بل وصاحبة الأهداف السياسية التي تظهر عكس أهدافها المعلنة، فالفكر الحر لا يلتقي مع من يرتدي عباءة الدين لأغراض سياسية ويسعى إلى إشعال فتيل نار التشدد والانغلاق وآفة التكفير. لذا أضم صوتي إلى كل محتج ومعارض وأطالب مؤسسة ابن رشد بالاعتذار أو بتغيير اسم المؤسسة التي تحمل اسمًا لا يستحق أن يقترن به إلا مفكرو النور والحياة والفلسفة التي تشعل الضوء، لا الأدلجة التي تنشر الظلام! نقلا عن الجزيرة