هل يسهم الأدب في التغيير؟ هل يمنح الشعوب حقوقها؟ وهل يقدم للشعوب كرامتها؟ هل كانت الروائية السويدية وكاتبة الرحلات والناشطة في مجال حقوق المرأة وفي السياسة (فريدريكا بريمر)، هل كانت تدرك ذلك عندما كتبت هذا السطر في روايتها (هيرثا): (أفكر في أن أذهب إلى أستوكهولم وأتحدث إلى الملك). لقد وصل صوت (هيرثا) إلى الملك وإلى البرلمان السويدي، وأثارت جدلاً فيه لتسهم في تغيير قوانين همشت المرأة، وحرمتها من حقوقها لعقود طويلة في مملكة السويد. ولدت فريدريكا بريمر في فنلندا عندما كانت فنلندا تحت حكم مملكة السويد وذلك عام 1801م. تنحدر أصول والدها الثري من أسرة ألمانية عريقة، فهو ابن أحد ملاك السفن. تركت أسرتها فنلندا عندما كانت فريدريكا في الثالثة من عمرها. وبعد عام من إقامتهم في أستوكهولم، اشترى والدها قصر إرستا الأثري والذي يعود بناؤه إلى القرن السابع عشر الميلادي. تلقت فريدريكا تعليماً جيداً، وأقامت لبعض الوقت في النرويج مع كونتيسه ثم أرسلت إلى باريس لمدة عام لتكمل تعليمها وبعد عودتها أصبحت معلمة في أكاديمية البنات في أستوكهولم.. بدأت فريدريكا بريمر الكتابة من وقت مبكر، فقد بدأت تكتب وهي في الثامنة من عمرها، وفي حوالي الثلاثين من عمرها انطلقت فريدريكا إلى الحياة العامة. وفي عام 1828م ظهرت لأول مرة ككاتبة من خلال سلسلة من الروايات المتتابعة إلى النور. ركزت رواياتها على حقوق المرأة في الزواج وأيضاً في حصولها على الميراث واستقلاليتها، وأرادت فريدريكا من خلال رواياتها أن تظهر صورة جديدة لحياة الأسرة السويدية والتي كانت تركز على الذكور وتمنحهم السلطة المطلقة والمهيمنة وتقصي المرأة؛ فبدأت تظهر صوت المرأة الذي يطالب بأن يكون لها مكانة في البيت وفي المجتمع ككل. فازت روايات فريدريكا بميدالية ذهبية من الأكاديمية السويدية، ونشرت بعض أعمالها باللغتين الإنجليزية والألمانية قبل أن تنتشر في السويد، وانشغلت فريدريكا بقضايا مجتمعها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكانت من الشخصيات القلائل التي قامت برحلات عديدة في زمنها رغم قيود أسرتها الاجتماعية. سميت بكاتبة المنزل والأسرة؛ حيث وصفت المنزل في رواياتها كعالم، كما بدا لها عالم أمريكا كمنزل والبشرية هم الشعب الذين يسكنونه. في عام 1840م اتخذت فريدريكا بريمر وجوداً في الحياة الثقافية في السويد وترجمت أعمالها إلى عدد من اللغات، منها: الإنجليزية، والألمانية والفرنسية.. ليس ذلك فحسب بل اهتمت بالقضايا السياسية وأسهمت في إحداث الإصلاحات وتعاطفت مع حركة تحرير الطبقة العاملة. في عام 1854م شاركت مع عدد من الناشطات في تأسيس الجمعية النسائية لتحسين وضع السجينات. باتجاه العالم الجديد في عام 1849م احتشد أناس كثيرون في صفوف بجوار فندق في نيويورك تسكنه أنثى جميلة قصيرة القامة ترتدي ثوباً أسود، يبدو عليها التواضع قادمة من شمال أوروبا، كانوا يتوقون لمصافحتها وبعضهم يريد أن يلتقط صوراً تذكارية معها والبعض أراد أن يدعوها إلى منازلهم، لم تكن تلك الأنثى إلا فريدريك بريمر والتي تزور أمريكا لأول مرة كان هدفها من الزيارة اكتشاف ثقافة الأرض الأمريكية الجديدة. استغرقت زيارتها لأمريكا عامين، حيث سافرت إلى الشمال وزارت الهنود الحمر وتحدثت إليهم كما سافرت إلى الجنوب عبر نهر المسيسيبي لتقابل الأسر التي تستعبد الزنوج، كانت مهتمة بأمر الزنوج والعبودية هناك كما كانت تريد أن تعرف كيف يعيشون، وكيف يعاملون، حيث أرادت أن تسمع حكاياتهم منهم.. رأت فريدريكا أن ما يعانيه الزنوج وصمة عار في تاريخ أمريكا التي تريد أن تقدم الحرية إلى العالم، زارت الكويكرز والمنحدرين من أصول سويدية كما زارت الكنائس والسجينات هناك لتطلع على فرص العمل والتعليم التي تقدم لهن هناك، وأثناء وجودها في أمريكا التقت فريدريكا عدداً من الأدباء في منازلهم، ومنهم: كاثرين سيدقويك، لونقفيللو، أرفينق ولويل وإيمرسيون وتناقشت معهم، وقرأت كتبهم، وتأملت الحياة اليومية في البيوت الأمريكية واطلعت على أدوار النساء والحياة الاجتماعية بشكل عام. تنقلت بين الولايات الأمريكية بالقطار والحصان وعبر البحر، كما مشت على قدميها وكانت مستمتعة بذلك. وأكملت زيارتها لكوبا وبقيت عدة شهور، عام 1850م كانت طوال الوقت تسجل مشاهداتها وانطباعاتها في رسائل إلى أختها أجاثا وبعد عودتها نشرتها في كتاب (بيوت العالم الجديد: انطباعات عن أمريكا). تم استقبال عملها من قبل القراء في أمريكا بمشاعر مختلطة، بعض قرائها تفاجؤوا بصراحتها أما في بلادها السويد فقد حقق عملها نجاحاً كبيراً. أسئلة اللاهوتية والكنيسة الحرة شغلت فريدريكا المسائل الدينية والأسئلة اللاهوتية، كما ازداد حبها للسفر؛ فقامت برحلة استغرقت خمس سنوات زارت خلالها سويسرا وفرنسا وبلجيكا، بعد ذلك ذهبت إلى إيطاليا وروما وفلسطين والقدس وتركيا واليونان.. كان هدفها من زيارة سويسرا رغبتها في اكتشاف الكنيسة الحرة الجديدة والتيارات اللاهوتية الليبرالية الحديثة. في روما عكفت على دراسة الاختلافات بين اللوثرية التي تربت عليها والكاثوليكية، ووجدت فرصة لتناقش أسئلة مع البابا عند زيارتها للفاتيكان، أما اليونان فقد كانت نقطة رحلتها المهمة، لذلك مكثت فيها عدة سنوات. عادت فريدريكا إلى السويد ممتلئة بملامح الناس الذين التقت بهم والمناظر الطبيعية وأسئلة الحياة والتاريخ والفن لتجمع كل ذلك في كتب تكونت من ستة مجلدات متخذة أسلوب المذكرات، وبهذا تكون قد سجلت اسمها في قائمة كتّاب كتب الرحلات المتميزين في نهاية القرن الماضي. هيرثا والبرلمان السويدي (هيرثا) هي أول رواية تكتبها فريدريكا بريمر بعد عودتها من أمريكا، وحققت رواجاً بين المهتمين بحقوق المرأة في منتصف القرن التاسع عشر. وأصبح اسم هيرثا يمثل رمزاً لحرية المرأة. هاجمت فريدريكا في الرواية السلطة الأبوية والتي تقف أمام نيل المرأة حقوقها، وهنا رسمت تجربتها الشخصية حيث عانت من وصاية الذكر على مواردها المالية.. أثارت الرواية جدلاً واسعاً في البرلمان السويدي بشأن حقوق المرأة وتعليمها؛ لتسهم في النهاية في وضع قانون جديد بشأن السن القانونية للمرأة السويدية وإنشاء جامعة للمعلمات عام 1861م.. وفي عام 1859م أسست صوفيا أدلرسبار جريدة استلهمت من الرواية، وكان هذا بداية عمل أدلرسبار كمنظمة للحركة السويدية النسوية. سطور من الرواية (لقد صمتُّ وقتاً طويلاً ولم أقل أشياء كثيرة وهذا ما أثارني، ألما! فمعكِ فقط أستطيع أن أتحدث عن مشاعري، فأنتِ فقط من تستطيعين معرفة ما في قلبي، أشعر كما لو أن نظرتك الخاطفة تمتلك قوة شفاء.. ضعي يدك هناك، دعيها هناك للحظة ربما تهدئ هذه المرارة التي أشعر بها نحو من أعطانا الحياة). (وسنبقى دائماً قاصرات، وعلى أية حال فنحن لا نذهب مع أبينا إلى القانون لأنه يريد أن نبقى معتمدات عليه. وقوانين بلادنا تمنعنا من العمل كشخصيات راشدة ومستقلة، تأكدي ألما أنها ليست عدالة في حقنا كنساء، أتدرين ما يغضبني.. ليس ما يحدث مع أبي فحسب، ولكن مع الرجال الذي يصنعون القوانين الظالمة في بلادي والذين يعارضون العقل والعدالة التي تحافظ عليهم، وبفعلهم هذا يبقوننا في حالة مقيدة، فها نحن ورثنا من أمنا ورغم ذلك لا نستطيع صرف ولو مقدار قليل مما ورثنا، نحن ناضجين بما فيه الكفاية ونعرف ما نريد، كما أننا قادرات على أن نهتم بأنفسنا وبالآخرين وفي الوقت نفسه نبقى كأطفال تحت وصاية أبينا لأنه قرر أن يعتبرنا هكذا، ويعاملنا على هذا الأساس). (الوقت يمضي، وأنا أكبر كل يوم ولكنني أشعر أني أكبر كشخصية سطحية، لأن روحي وعقلي امتلأت غيضاً أكثر وأكثر تجاه الرجل، في بعض الأحيان أفكر أفكاراً متهورة وهي كيف لي أن أخلص نفسي من هذه التعاسة، أفكر أن أذهب إلى أستوكهولم وأتحدث إلى الملك). الملك هيرثا (نعم.. الملك، يقولون إن الملك أوسكار نبيل وعادل، ولا يهمل حقوق أي أحد من رعيته) لاقت روايات فريدريكا بريمر رواجاً كبير، فقد قدمت للقراء شيئاً جديداً كما أنها رسمت الحياة الواقعية، فرأوا حياتهم بين سطور رواياتها، صنفت رواياتها بالروايات الواقعية، ويرى بعض النقاد أن رواياتها أدخلت الرواية البرجوازية إلى السويد. وقد وصف عميد تاريخ الأدب السويدي هنريك سكوك روايات بريمر قائلاً: «أعطت فريدريكا بريمر الرواية محتوى فلسفياً فأصبحت جزءاً مهماً في التنمية الثقافية وكان هذا سمواً إذا جاز التعبير». كان أكثر قراء روايات بريمر من النساء، فقد أدركن بأنها تصور حياتهم وآلامهم ومتعتهم وعلاقتهم مع الرجل وهذا مالم تفعله كاتبة قبلها. في عام 1860م ساعدت جوهانا بيرقلند لتؤسس مدرسة للصم والبكم في أستوكهولم، وفي الإصلاحات الخاصة بحق التصويت في عام 1862م حيث دعمت فكرة حق المرأة في التصويت وكان لذلك أثر، كما شجعت أول حركة نسوية قامت في السويد على يد صوفيا أدلرسبار عام 1884م وسميت باسمها. أصدرت الروائية فريدريكا بريمر عدداً من الروايات، منها: عائلة إتش أو عائلة الكونيول 1829م، بنات الرئيس 1824م، المنزل 1839م، الجيران 1842م، بيوت في العالم الجديد: انطباعات عن أمريكا 1853 (3 مجلدات)، هيرثا أو قصة روح 1856م، أب وابنة 1858م. معالم ومواقع وأنصبة صمم نصب لها في أستوكهولم، وفي ولاية منيسوت بجوار نهر القديس كروي وضعت عبارة لها تصف النهر (وطن للإسكندنافيين الجدد). سميت مقاطعة بريمر باسمها، بالإضافة إلى مدينة فريدريكا بمقاطعة بريمر سميت أيضاً باسمها، كما حملت مدرسة في ولاية مونيستا اسمها وهي مدرسة فريدريكا بريمر المتوسطة، وفي المتحف الأمريكي السويدي التاريخي في فيلادليفيا بولاية بينسلفينيا خصص غرفة لإنجازاتها. من كلماتها (القلب الإنساني يشبه السماء، حيث ملائكة كثر ومكان أكثر رحابة)