النسخة: الورقية - سعودي يذكر التاريخ دوماً سلسلة من العظماء الذين قادوا الأمم، وجيّشوا الجيوش وفتحوا الأمصار، فبنوها وهذبوا أهلها بآدابهم، وأنعشوا بهم روح الإنسان بأفكارهم، ثم أشعلوا جذوة العلوم بها، فبدأ كل مصر يتميّز عن الآخر بصناعة ما، فيكوّن بذلك هوية فريدة هي في الأصل خليط بين ثقافتهم السابقة والثقافة الجديدة التي ارتضوها من الفاتحين الجدد، شاكرين لهم فضلهم، مدينين لهم بالولاء . واقع الأمر أن التاريخ قد يجير كل هذه الانتصارات للشخص الذي كان يعتلي سنام هذه الأمة الفاتحة أيا كانت صفته، وكيفما كان وضعه في الإدارة، فربما يكون القائد حينذاك طفلاً لا يدرك شيئاً من أمور الحياة، فضلاً عن إدراكه طبيعة العلاقات مع الأطياف الموجودة في مملكته، كما حدث مع هشام المؤيد في الأندلس، أو ربما تكون امرأة لا تستطيع إحكام السيطرة على ما بين يديها، أو قد يكون رجلاً طائشاً لا يعبأ بشؤون هذه المملكة أكثر من ليلته الصاخبة التي سيسهرها بعد منتصف الليل. ومع كل هذا قد يكون القائد التاريخي رجلاً قوياً قادراً على إدارة دفة بلاده، بحسن سياسته، لكنه يجد من بين وزرائه من يفوقه درايةً وعلماً، ولطالما كان الوزير في التراث العربي رمزاً لحدة الذكاء وحسن السياسة التي تفوق الملك نفسه. يذكر التاريخ أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان كان رجل دولة، وقائداً محنكاً فاق كل من حوله في حسن الإدارة، على رغم طول المدة التي تولى فيها الأمر، ولكن وفي الوقت ذاته كان يمتلك بين رجاله رجلاً كالحجاج، كان دائماً يشير له بالصواب الذي يجد قبولاً في نفس الخليفة حتى قال عبدالملك مرة: «ألا وإن الحجاج جلدةُ ما بين عيني». ومما يذكر أن الملكة فيكتوريا كانت تعتمد في جُل أمورها على رئيس الوزراء درازئيلي - ذي الأصول اليهودية - في ما يخص الأوضاع الداخلية،- أو حتى في الخارج ربما- وعند الوقوف عند اسم مثل هتلر لا يمكن النظر فيما دونه إطلاقاً، غير أن وزير الدعاية جوزيف جوبلز تولى الجزء الأكبر في الترويج والدعاية لهتلر وصياغة الأفكار النازية بشكل غير مسبوق، وربما يكون للرجل الفضل الأكبر في إيمان الألمان بهذا الفكر، وهو القائل: «اكذب واكذب ثم اكذب، حتى يصدقوك». في الحقيقة لا يستطيع بعض القادة حمل أمة بأكملها فوق عاتقه وحده، لكنه يستطيع فعل ذلك بمجموعة من الرجال الأكفاء بالطبع، ويكون صاحب الرأي السديد فيهم.     mtn-13@hotmail.com