«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» [الروم، 41] يحدث الفساد عندما يحاول شخص أو جماعة - على نحو غير مشروع - وضع مصالحهم الخاصة فوق المصلحة العامة أو القيم العامة التي تعهدوا بخدمتها. وتكاد لا تخلو دولة من الدول أو أمة من الأمم من الفساد، سواء كانت من الدول المتقدمة أو المتخلفة. ويبقى تفشي الفساد عبر التاريخ هو السبب الأبرز في تخلف الأمم وسقوط الدول. وبسبب الفساد، دفعت دول ثمنا باهظا على شكل كوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية أدى إلى الإهمال والتساهل في معايير الجودة والسلامة في مبان وسدود ومشروعات اقتصادية كبيرة. والفساد متعدد الأشكال والوجوه. ولكن الرشوة وسرقة المال العام هي أهم مظاهره. ومعرفة أنواع الفساد قد تساعد في وضع الحلول والاستراتيجيات لمكافحتها، وأول أنواع الفساد هو: الرشاوى الصغيرة، ويصدر ذلك غالبا من الموظفين العموميين العاديين والذين قد يكونون مستقيمين في حياتهم بشكل عام. ولكنهم يستخدمون الرشوة لدعم دخلهم المتدني. وثانيها: الرشاوى الكبرى. ويصدر ذلك بتصميم وتخطيط من مسؤولين عامين جشعين عن طريق وضع مشاريع وبرامج حكومية هدفها سرقة المال العام وتحويل الأموال لحساباتهم الخاصة. وثالثها: الرشوة العرضية. وهي حالة فساد استثنائية قد يتعرض لها الموظف العام المستقيم في تصرفه. وفي الغالب فإنه يرتدع عن فعله إذا اُكتشف. ورابعها: هو الفساد المنظم. ويكون الفساد في هذه الحالة منتشرا في بناء المؤسسة أو الدولة على كل المستويات. ويكون أساسا لبقاء هذه الأنظمة. في ورقة بحثية صادرة عن الأمم المتحدة (1999)، قُدمت فيها استراتيجية لمكافحة الفساد تقوم على أربعة أركان هي: (1) التنمية الاقتصادية، (2) الإصلاح الديمقراطي، (3) وجود مجتمع مدني قوي مع إمكانية الوصول إلى المعلومات وولاية للإشراف على الدولة، و(4) وجود سيادة القانون. وهناك عدة طرق يمكن على أرضيتها أن يكافح الفساد داخل أي بلد. تلعب الشفافية والانفتاح في الإنفاق الحكومي دورا محوريا. فكلما كانت الحكومة أكثر انفتاحا وشفافية في إنفاقها، قلت فرص الفساد. كما أن الدول التي يكون فيها المواطنون قادرين على متابعة وتدقيق الأنشطة الحكومية ومناقشة جدوى السياسات العامة المختلفة تكون أكثر حصانة ضد ممارسات الفساد. وتلعب الحرية الصحفية ومستوى التعليم دورا هاما في سياق الإصلاحات. وإذا كان هناك مجتمع مدني نشط، وينعم بثقافة المشاركة، فإن ذلك يشكل عنصرا هاما في دعم التوجه للحد من الفساد. ومن المهم تعزيز المؤسسات الأساسية المعنية بمكافحة الفساد. ويتربع القضاء على رأس هذه القائمة، حيث إنه هو الوصي على القوانين والنزاهة. ولكن إذا كان القضاء في حد ذاته فاسدا، فعندها تغيب سيادة القانون. ولا بد من تعزيز سلطة ونزاهة الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد. فإن أفضل قانون لا قيمة له إذا لم يُنفذ. ويبقى أفضل القضاة لا قيمة لهم ما لم تجلب لهم قضايا الفساد. كما أن جهود البحث والتحقيق تذهب أدراج الرياح إذا كان القاضي فاسدا. وتحتاج الحكومة لوضع مجموعة قوية من الأدوات الوقائية. ويمكن للأنظمة المتعلقة بالسلوك والأخلاق والهيئات الرقابية المستقلة والقوية أن تساعد على ضمان الالتزام بالمعايير المقبولة للسلوك في كل من القطاعين العام والخاص. ومن المهم أن يُطلب من القادة السياسيين في جميع فروع الحكومة، بالإضافة إلى القادة في الجهازين التشريعي والقضائي أن يفصحوا عن التعاملات المالية الخاصة بهم من خلال الكشف عن الأملاك الخاصة بهم وبأفراد أسرهم. ومن المهم إعطاء الموظفين رواتب مجزية تغنيهم عن الوقوع في الفساد. فقد وجد الباحثان فان ريجكيغيم وَويدار (2011)، أن هناك علاقة عكسية بين مستوى أجور الموظفين الحكوميين في الدول النامية وحوادث الفساد. وهناك علاقة قوية بين كثرة الأنظمة والإجراءات والفساد. فكلما تطلب الأمر كثيرا من التنظيم في الحصول على إذن لبدء عمل تجاري، أو القيام بمشروع عمل، أو تسجيل ملكية عقار، أو القيام بتصدير أو استيراد بضاعة، فهذا مؤشر على تفشي الفساد. لأن هذه الإجراءات والنظم هي التي تفرخ الفساد. وكلما قلت فرص المقابلة وجها لوجه بين الموظف الحكومي والمستفيدين من الخدمات، قلت فرص الفساد. فاستخدام التقنية الذكية كالإنترنيت مثلا في التعاملات الحكومية أمر مهم للغاية. فالتعاملات الإلكترونية وبالذات عندما تتعلق بالمشتريات وترسية العقود الحكومية كلها ترفع من مستوى الشفافية. من المهم تثقيف الجمهور حول مزايا ومنافع وجود نظام لمكافحة الفساد. ويتحمل الجمهور نفسه قسطا كبيرا من المسؤولية عن طريق الإصرار على الصدق والنزاهة في القطاعين الحكومي والخاص. ويحتاج الناس للتنبيه بعدم السماح لأي شخص بشراء أصواتهم، وعدم قيامهم هم بدفع رشاو، وإبلاغ السلطات عن حوادث الفساد، وتعليم أبنائهم القيم الصحيحة حول النزاهة والبعد عن الفساد. إن القضاء على الفساد لا يتأتى عن طريق قرار حكومي أو تأسيس جهة رقابية. إنه منظومة متكاملة من الإجراءات والإصلاحات وإعادة بناء الأنظمة التعليمية والاجتماعية والإدارية للدول والمجتمعات؛ من أجل خلق بيئة ملائمة؛ لكي يعمل المجتمع المدني والجهات الرقابية بفعالية في تقليم أظافر الفساد.