من لم يعرف أهميّة التنمية وخطر التخلف، فهذا الزمن الحاضر خير حقبة للفهم. لقد أهمل الناس التنمية عندما كانت لا تتمنّع ولا تتذرّع، كانت السهل غير الممتنع. بل أيسر من نجوميّة الفن اليوم على عديمي المواهب. يبدو أن مفهوم التنمية في العالم العربيّ لم يكن يتجاوز حدود الديكور التنمويّ. ورغم هذا الفهم التسطيحيّ، عجز حتى عن الصعود إلى مستوى الصفر. بعد فوات أوان الإدراك المجدي، تبيّن لمن استعصى عليهم الاستيعاب أن الإحجام عن التنمية كارثة، وأن التخلف أخطر بكثير وأفظع من أن يكون مجرّد مأساة أو فاجعة. إنه الدمار الشامل الذي لا يعاقب فيه الأقوياء على ما ارتكبوه. أمّا الشعوب المنكوبة، فذرّات غبار لا يسأل أحد الرياح عمّا فعلت بها أو إلى أين تذروها. مفهوم التنمية القاصر لدى النظام العربيّ طوال عشرات السنين، كان متقوقعاً في أن التنمية مسائل داخليّة لا علاقة لها بالشؤون السياديّة. في أقصى الحالات لا يعدو الأمر أن يكون شجاراً أسريّاً تحت سقف واحد. الآن أدرك من رفض الإدراك أن الأمّية ليست مسألة قراءة وكتابة لا غير، نمحوها متى تيسّر الأمر. اتضح أن الأميّة بعد بضعة عقود، تعطينا ملايين الآدميين الذين، مع احترام الآدمية، محرومين من خدمة أوطانهم ويعيشون على هامش العصر، هم أرقام بلا دور في الديموغرافيا. هؤلاء في المقاييس العليا للتنمية، غير قادرين على الارتقاء إلى مستويات الإنتاج العلميّ في جميع ميادينه، ولا على الدفاع عن وجودهم وسيادتهم ومقدراتهم، ولا حتى على الاستفادة من ثرواتهم. في مجالات التعليم والعلوم توهم النظام العربيّ، أنها لا علاقة محوريّة لها بالتنمية، وأن التنمية ليست دماغ الشؤون السيادية وقلبها ورئتيها وكبدها. التعليم والعلوم هي الاقتصاد والدفاع وفرض الوجود والحفاظ على التراب والأوطان والشعوب. هل كانت البلدان المنكوبة تمسي فرائس لو كانت متقدّمة حصينة؟ لا تنظروا إلى قشور الحياة اليوميّة في الدول المتقدّمة، تأملوا محاور الاهتمام في مراكز البحث العلميّ لديهم، ومطبوعاتهم المتخصّصة في العلوم، ومواقعهم العلميّة على الشبكة العنكبوتيّة. لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقيّة: محو الأميّة كان صعباً عندما كانت المدن قائمة، الآن عيب أن نعلّم الناس في العراء. هل نريد أن نصبح فضيحة في الفيسبوك؟ abuzzabaed@gmail.com