الخرطوم: أحمد يونس تباينت مواقف السودانيين من الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت البلاد خلال الأيام الأربعة الماضية إثر قرارات أصدرتها الحكومة بزيادة أسعار المحروقات والقمح طوال الأيام الثلاثة الماضية، ولقي خلالها على أقل التقديرات 27 شخصا مصرعهم بذخيرة القوات النظامية من شرطة وأمن، بينما جرحت أعداد غير محدودة. وانطلقت شرارة الاحتجاجات من مدينة ود مدني وانتشرت لمدن السودان بما في ذلك الخرطوم بمدنها الثلاث، بسبب قرارات السلطات التي أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل يفوق قدرة غالبية الأسر السودانية على توفير احتياجاتها الأساسية. وتراوحت تفسيرات الخبراء والقوى السياسية للأحداث، ففي الوقت الذي تصفه فيها قوى معارضة بأنها هبة شعبية تلقائية ناتجة عن الاستفزاز والقهر والجوع والاستبداد السياسي، يرى الحاكمون أنها مجرد حركات «متفلتين ومخربين ومشردين». ووفقا للزاوية التي يقف فيها الفرقاء يرى أمين الفكر والدعوة بحزب المؤتمر الوطني أبوبكر عبد الرازق أن ما دفع نسبة لا تقل عن 80% من جماهير الشعب إلى أن تخرج في الاحتجاجات هو المعاناة الاقتصادية، والزيادات الجديدة في أسعار المحروقات والطريقة المستفزة في أرقامها وطريقة إعلانها، ومباغتتها وعدم مصداقية الأحاديث الحكومية في إنزالها دفعة واحدة بدلا عن التدرج الذي وعدت به. وأضاف عبد الرازق أن للاحتجاجات دواعي أخرى مثل «التهميش» الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بين المركز والولايات، والغبن الاجتماعي، والغبن الجهوي والقبلي، والفساد السياسي والمالي وعجز أجهزة الدولة عن محاربته، والاستبداد السياسي، وقمع الحريات. وحذر عبد الرازق، وهو أحد قادة الإسلاميين السابقين، النظام من مخاطر القهر والقمع الذي تعامل به مع المظاهرات، وأنه قد ينذر بخطر كبير، وأن أي سقوط مفاجئ للنظام يمكن أن يدخل البلاد في دوامة من العنف والانفلات الذي قد تصعب السيطرة عليه. وقال الأكاديمي الإسلامي ومدير جامعة أفريقيا السابق حسن مكي إن المشاركين في معظمهم ينتمون إلى حزام الجوع، وإن الطريقة التي تعامل بعضهم بها تدل على ذلك، وأضاف أن النظام أصبح بلا أفق محدد، وأن من لم يخرجوا في تلك الاحتجاجات لم يرغبوا في ضياع صوتهم وسط تلك الأحداث. وأوضح مكي أن نظام حكم الرئيس البشير استنفد فرصه في البقاء، ودعا القيادات العسكرية والأمنية لنصح الرئيس البشير ونظامه بالتنحي وإجراء التعديلات السياسية اللازمة، للحيلولة دون وقوع البلاد في حالة فوضى شاملة، بينما وصف عضو قيادة حزب البعث عادل خلف الله الاحتجاجات بأنها «انتفاضة كرامة»، لذلك جاء رد الفعل الحكومي قويا وعنيفا، وأنه استهدف المتظاهرين بالرصاص، وتجاهل من استغلوا الانفراط الأمني وشرعوا في النهب والتدمير، وأن الأجهزة الأمنية استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين الحقيقيين وفتحت الباب للعناصر التي استغلت الانفراط الأمني. واعتبر خلف الله أن الاحتجاجات تتيح فرصة للرئيس البشير ونظام حكمه، فرصة واحدة فقط، وهي حل نظامه، لأنه تحول إلى نظام مكروه ومعزول وفاشل، بما يفتح الطريق أمام سلطة وطنية انتقالية لا يستثني فيها أحدا.