×
محافظة المنطقة الشرقية

مواطنون ومقيمون يعبرون عن افتقادهم لحملات المكاتب الدعوية المكاتب التعاونية بالمنطقة الشرقية تؤكد التزامها بعدم تنظيم رحلات الحج هذا العام

صورة الخبر

مُنيت الانتفاضة الشعبية السورية بانتكاسات كانت فيها المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، أحد أسبابها الرئيسة. وبعد سنتين ونصف سنة على انطلاقتها، سيدرك من كان يمدح تميز الثورة لأنها «بلا قيادة محددة ولا رأس لها»، أن هذه الصفة تحديداً نقطة ضعفها، لأنها سمحت لكثيرين بالقفز إلى مقعد القيادة من دون أن يكونوا من آبائها الشرعِيين، ما قاد العربة إلى طريق مختلفة تماماً عن وجهتها الأصلية. تعثرت الثورة وتتعثر المعارضة ولا تتوقف معاناة السوريين، وعلى جهة ما أن تقف أمام العالم وتتكلم بقوة وبشرعية باسمهم. ولكن، ألا يحتاج السوريون أن يقتنعوا بهذه الضرورة أولاً؟! كي نستوعب ما يحدث علينا أن ندرك أن مصطلح «معارضة»، بات أوسع من معنى يوحي بمساندة الثورة إلى ما هو حراك سياسي يتهيأ لفترة ما بعد سقوط النظام. بهذا الفهم سنعي أحد أسباب تشتت المكونات السياسية والعسكرية. فالمنبت مختلف والهدف كذلك، ما حوّل «المعارضة» مجرد قاطرة عبور إلى المرحلة المقبلة بصرف النظر عن معاناة السوريين الآن. حدث هذا على حساب أمرين، أولهما الحراك المدني الداخلي الذي قاد الثورة، أعني التنسيقيات والناشطين الذين نظموا التظاهرات والحراك الثوري اليومي الذي بات مجرد رمز تحدد نسبة مقاعده في أجسام المعارضة الرسمية. والثاني تكوين جسم سياسي معارض وموحد يعبّر عن صوت الشعب الذي يريد إسقاط النظام. لقد وصلنا إلى هذه النتيجة البعيدة من منطلق الثورة الأساسي بسبب غياب قيادة موحدة للجموع تنطق باسمها شعبياً ودولياً، وكان بين أحد العوامل المؤثرة، الملاحقة الأمنية للصفوف الأولى من المتظاهرين السلميين بالاعتقال والتعذيب واضطرار الناشطين إلى الهروب للخارج، حتى خلت الثورة تقريباً من رموز مدنية قيادية تعبّر عن صوت المنتفضين من الشعب السوري. وإذا أضفنا الفراغ في السلطة الذي نشأ عن انسحاب النظام من بعض المناطق في صورة متعمدة، أو خسارته إياها، بات منطقياً استغلال الفراغات بكل تجلياتها العسكرية والأمنية والقضائية من الجهات الأقوى، لأن قانون الطبيعة ببساطة لا يحب الفراغ ويسمح للسيّء والجيد بملئه، وصودف أن الأقوى هو من يحمل السلاح. لقد ابتليت المعارضة السياسية بسمات غير صحية رافقت تشكلها رسمياً في صورة عشوائية. ويقول من شهد الجلسات التأسيسية في اسطنبول، إنه عندما اتُّفِق على تأسيس المجلس الوطني وأن يكون الدخول إليه ضمن تكتلات، توزع الحضور سريعاً وكوّنوا مجموعات لا يجمع بينها فكر سياسي محدد. مذّاك وحتى الآن، تتحكم العشوائية ذاتها بتشكيل كتل صغيرة متجاورة أو أجسام أكبر تحت «علامات سياسية تجارية» تستغل شعار «الإسلام» أو «الديموقراطية» أو أي شعار آخر. ومنذ سنتين تعاني المعارضة «إعادة تدوير» الأفكار والأشخاص في الملتقيات بصرف النظر عن اللافتة الأكبر المعلنة. تتغير التسميات وتبقى التكتلات والأشخاص أنفسهم، ضمن القيادات المتصدرة للأجسام الجديدة. أنتجت المعارضة السورية خلال سنتين أجساماً أفقية وفشلت في الحفاظ على قيادة رأسية تنطق باسمها كلها. وبدأ الخطأ أساساً في النظام الداخلي الذي تحكم بإنشاء المجلس الوطني القائم على محاصصة عشوائية فرّخت مزيداً من الكتل تسعى إلى الانضمام إليه، وكأن المفروض بهذا الجسم أن يكون برلماناً يمثل مجمل سورية! وأضيف خطأ تحديد مدة الرئاسة والمكتب التنفيذي بثلاثة أشهر تدوّرالقيادة بعدها وتوكل إلى آخرين من منطلق حق كل الكتل في القيادة! والغريب نقل هذه الأخطاء إلى جسم الائتلاف الذي تأسس لتجاوز أخطاء المجلس. وبسبب هذه الأخطاء لم تقدم المعارضة وجهاً ثابتاً يرتبط بقضيتها كما حصل مع قضايا شعوب أخرى، وبات على العالم أن يحفظ وجوهاً وأسماء متغيرة دائماً، بينما بقي وجه النظام ثابتاً وواضحاً. الأكيد أنه ستنبع أجسام عسكرية وسياسية جديدة كلما طال أمد الأزمة وتفككت سلطة النظام على الأرض، فالمعارضة باتت «بزنس» مرغوباً فيه حتى من الفاسدين والمنافقين، أو علاجاً يعوّض المظلومية التاريخية والشعور بالاستلاب، يكفي معها تجميع أفراد العائلة الواحدة أو العشيرة أحياناً لتأسيس حزب أو تكتل أو كتيبة. ويأتي هذا الاستنساخ مدعوماً بخلافات تشق صف السوريين بانقسامات سخيفة مثل: داخل وخارج، سياسي وعسكري، إسلامي وعلماني. ندرك أنه، بسبب حكم استبدادي طويل خنق الأصوات والآراء وأفشل أي تجمع سياسي مستقل، أكان على شكل أحزاب أو منظمات مجتمع مدني، يعيش السوريون حالة «كل مواطن قيادي»، فالكل يفتي ويمنح علامات في الوطنية ويقرر السياسة المقبلة من دون الاطلاع على تفاصيل الملفات في أكثر الأحيان، ما أصاب القيادات بالشلل السياسي والقدرة على المناورة، وعلى صوغ قرار وطني قوي مدعوم من كل المعارضة، حتى لم يتبقَّ للسوريين رموز يستندون إليها أمام العالم. إنها علامات مرض في العقلية السورية في هذه اللحظة الحرجة. فلا احترام لقيادة تمثل الثورة أو المعارضة حتى التي اعترف بها المجتمع الدولي، ولا تقيّد بقواعد العمل المؤسساتي الذي يتطلب في حدّه الأدنى التزام الأعضاء بقرارات الغالبية والتكتم على بعض الأمور حتى يحين وقت إذاعتها. يظهر أحدهم بسذاجة أو بخبث عبر الإعلام، ليهاجم المؤسسة السياسية التي ناضل لينضم إليها، ويشوش عليها عملها ويخربه. كلٌّ يريد أن يفرض رأيه ومزاجه الفردي من دون أي حساب لرأي الغالبية. تسود الفوضى والتشرذم في ظل تسهيلات تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، من نشر إشاعات وتجييش مواقف. معارضتنا متشظية من دون رأس معترف به شعبياً يقود المرحلة الحالية نحو المرحلة المقبلة، بل هناك محاولة مستميتة لدى بعضهم لقطع أي رأس يحاول أن يثبّته العالم أو يختاره السوريون. كأن هذا الشعب فقد الثقة بأية قيادة وبات يساويها مع النظام منتظراً البديل الملائكي الذي لن يصل. هذه السلبيات مجتمعة تضرب صدقية المعارضة السورية وترسل رسائل ضمنية إلى العالم تقول: «لا أحد يمثلنا لتعتمدوا عليه، وعليكم أن تتعاملوا مع هذه الفوضى بإبقاء النظام لأنه نجح في قيادة البلاد أمنياً لعقود». وهو أمر أراح طويلاً دول الجوار وبقية المتحكمين الكبار في العالم، والأكيد أنها لن تستبدله بسهولة من أجل جسم غير مترابط وبديل لا تجتمع عليه الغالبية رمزاً للقيادة.