مع حزمة التغييرات الأخيرة التي أحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ليس هناك أدنى شك في أن مهمة وزير التعليم الجديد د. عزام الدخيل هي الأصعب والأكثر تعقيداً وتحدياً؛ وذلك لصعوبة المهمة من جهة، ولحجم دائرة التأثير من جهة أخرى، التي ستطول كل بيت سعودي. بوصفي مهتماً لإصدارات كلية الإدارة بجامعة هارفارد؛ إذ حصلت على كثير من الكتب والأبحاث الجديدة من ذات الجامعة في معرض نيويورك الدولي للكتاب، ومتابعاً عن كثب لكثير من عمليات الدمج بين جهات مختلفة على الصعيدَيْن المحلي والدولي، فإن غالب الدراسات الحديثة تشير إلى أن السواد الأعظم من تلك العمليات في قطاع إدارة الأعمال والشركات يفشل فشلاً ذريع، مع العلم بأن لديها مقومات نجاح أكثر بكثير من القطاع الحكومي، كقلة البيروقراطية، وقلة عدد الموظفين، وسرعة اتخاذ القرار في الشركات، وتقارب الثقافة والآليات، وربما المنتجات التجارية، ومع هذا كله باءت عمليات دمج كثيرة بالفشل في شركات معروف أنها ناجحة جداً؛ وذلك لأسباب ليس هذا مكان ذكرها. فكيف إذن بدمج جهتين حكوميتَيْن (ممتلئتَيْن بالبيروقراطية والترهُّل)، وبينهما ثقافة إدارية مختلفة تماماً، ومهام متباينة؟ ولهذا يقترح الخبراء من هارفارد وغيرها ثلاث خطوات رئيسة لضمان عملية دمج مرنة وسلسة وناجحة: 1- عدم الاستئثار بالقرار. هذه قضية وطن بأكمله، وأكبر خطأ ممكن أن يرتكب أن تترك المهمة فقط لخبراء من وزارة التربية والتعليم أو حتى التعليم العالي، بل حتى الاستعانة بأفضل خبراء العالم وحدهم لن يكفي. لا بد أن يتم إشراك المجتمع في عملية الدمج، وتكون هناك ورش عمل ضخمة على مستوى الوطن الكبير، يشارك فيها الكبار والصغار، والمسؤولون من قطاعات داخل وخارج التعليم.. ولا بد من أخذ رأي القطاع الخاص. والأهم محور العملية التعليمية: الطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات وأعضاء وعضوات هيئة التدريس؛ لأن هذا الوطن مليء بالخبرات والتجارب الثرية، التي لا بد من أخذ رأيها في الاعتبار. ومع عدم الاستئثار بالقرار أن تكون هناك شفافية في الاستراتيجيات المراد تطبيقها في عملية الدمج، ويجب أن تكون متاحة لجميع المواطنين، بأسلوب سهل ومنظم، لقراءتها ومراجعتها، وإبداء وجهات النظر، على غرار ما تفعله وزارة التجارة قبل إقرار أي سياسات جديدة؛ لأن لكل دولة ثقافتها التنظيمية الخاصة، وأن نجاح تجربة في هولندا أو ألمانيا ليس معناه نجاحها في السعودية لاختلاف عوامل ثقافية وسياسية واجتماعية كثيرة. 2- المرحلية في الدمج. والمرحلية هنا يُقصد بها طرفا المعادلة: المرحلية في الزمان والمكان. وهذا يعني أن يراعَى عامل الوقت في الدمج، وأن يأخذ فترته الكاملة. وكذلك عامل المكان، فيبدأ ببعض المناطق المتوسطة والصغيرة قبل المناطق الكبرى المكتظة. وفي هذا السياق لا بد أن تحدد الإدارات التي يمكن أن تعمل تحت مظلة واحدة، وتلك التي لا يمكن دمجها، ولا بد من وجودها في كلتا الجهتين. 3- الاستعداد الكامل للتحدي القادم، قبل أن تبدأ عملية التشريح. لا بد أن يكون الطاقم كاملاً، ولن يكون كاملاً حتى يكون الطاقم على دراية بطبيعة العملية وتفاصيلها واحتياجاتها قبل البدء. وتحديد ذلك يحتاج إلى الكثير من التعب والنصب. وكمثال بسيط وهامشي، يحتاج د. الدخيل ورفاقه إلى إنشاء إدارة مستقلة معنية بإدارة تغيير ثقافة العمل Culture Change Management، وأخرى لإدارة المشاريع Project Management، وثالثة لقياس المخاطر Risk Management، ورابعة وخامسة.. حتى تكون الأمور مخططاً لها بشكل دقيق ومنهجي؛ لنخرج بأقل قدر ممكن من الخسائر. همسة أخيرة: معهد كيندي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد من بيوت الخبرة العالمية في قيادة التغيير والتطوير الحكومي، التي يمكن الاستفادة منها حيث علماء كبار كستيفن كيلمن وغيره، إضافة للخبير السعودي المتناثر على خارطة الوطن. إن الواجب الوطني يجبر الإنسان على أن يقول: ستكون رحلة صعبة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر، ونسبة فشلها ممكنة، وقد تكون مكلفة، وستتجاوز منطقة اللاعودة. كان الله في عون د. عزام الدخيل في مهمته القادمة.