أن تكون قيادياً حسب تعريف ميكيافللي في كتابه الأمير هو أن تكون جبارا بحيث تكون لك القدرة على السيطرة والإخضاع ومن ثم القيادة وهو حد يبتعد في جوهره عن التصور الأفلاطوني في كتابه الجمهورية إذ يكون القيادي معلما ورياضيا أي يمتلك القدرة على النفاذ من عالم المحسوسات إلى عالم المجردات، وهو ما يتطلب جهدا مضاعفا، وفي المثالية الكانطية القيادي هو الأكثر ابتعادا عن الدنيا وأقرب إلى مدار العقل الخالص، ويشترط في القيادي المثالي حدود أخلاقية واجتماعية ومنطقية صرفة وفي علوم الإدارة الحديثة أصبح تعريف القيادي أقرب إلى المسير والمتصرف بمعنى أنه علامة في نسيج بنيوي متكامل حيث تحولت الهيمنة والقوة إلى ميكروفيزياء سلطة ولكنها ليست قامعة، فالسلطة الحقيقية تحولت من ذات محسوسة إلى ذات معنوية هي نسق المؤسسة أي قوة النسق POWER OF SYSTEME بمعنى حدوده مرتهنة بمرجع نظر مخصوص في مجالات التصرف الإداري والمالي والبشري وصار الحديث عن اللامركزية واللامحورية في القرار القيادي يعني تحولا كاملا في المفهوم من التصور الميكيافللي القائم على الفوقية إلى الأفقية القائم على المشاركة وهضم حدود مرجع النظر في القرار في مجالات الإدارة والمالية والموارد البشرية. القيادي في المنظومة التربوية السعودية الحديثة: من بين المنظومات التي تشهد تناميا وتطورا لافتا على جميع المستويات المنظومة التعليمية السعودية التي أسهمت بجامعتين ضمن أفضل أربعمائة في العالم دليل على أن المسار التربوي يرتكز على التخطيط والرؤية الإستراتيجية المعاصرة هذا التنامي في الحقيقة هو سليل تحاور بناء بين قطبي التعليم الحكومي والأهلي، هذا الحوار خلق تكاملا بينهما حيث يكون مدير المدرسة الأهلية مشرفا من الوزارة ضمانا للجودة، ومصداقية التعليم السعودي خلق تنافساً حقيقياً داخل بنية التعليم الأهلي ذاته فتطورت الوسائل والآليات وتنوعت المناهج المصاحبة وصار التنافس على الكفاءات التربوية التدريسية والإشرافية. هذا التنامي أفرز مفاهيم جديدة تستجيب لواقعه ومقتضيات تقدمه فنجد اجتهادات مفهومية متقاطعة في مسمياتها لكنها تلتقي في مدلولاتها وإجرائيتها وهو الهامش الذي تركته الأدلة الإجرائية واللوائح الرسمية لاجتهادات الفعل فكانت الاختلافات في بعض المفاهيم بمثابة اللهجات في اللغة الواحدة. من بين المفاهيم المحددة لمسمى وظيفي مخصوص نجد مفهوم الإدارة التنفيذية في مجال التعليم الأهلي والذي يسمى أيضا بالإشراف العام كما يسمى كذلك الإدارة العامة وتنسيب التسمية راجع إلى كون شركة تعليمية تتفرع إلى مجموعة مدارس هذه المدارس مجامع تدريسية متكاملة هي بدورها شركات فرعية عن الشركة التعليمية القابضة، فالقيادي هو في هذه الشركة الفرعية مدير عام كما أنه مدير تنفيذي لما له من صلاحيات هامة ومن سلطة قرار، كما أنه كذلك يعد مشرفا عاما بما أنه يقوم بتمثيل الشركة الأم في الإشراف على المجمع التدريسي. في الحقيقة المشرف العام هو الموكول إليه تطبيق سياسة الشركة الأم في مجمع المدارس الذي يشرف عليه وفي إطار سياسة اللامركزية واللامحورية هو مكلف بالتصرف المالي والإداري وفي الموارد البشرية اللوائح التي تضبط ما هو مركزي وما هو مرجع نظر، وفي المجالات الثلاثة صلاحياته محددة ومنتهية بصلاحيات الإدارة المركزية، ومهارته القيادية تكمن في كيفية الإبداع في مجال حركته المحدود، ويكون ذلك أولا بثقافته التربوية والإدارية فيجب أن يعرف بالتفصيل مهام المشرف المقيم ومهام الوكلاء وكل المنسوبين، وهذا لا يتوقف فحسب على اطلاعه على الدليل الإجرائي وإنما كذلك على قراءته لتركيبة قياداته وما هي الجوانب التي من خلالها يحولهم من منسوبين عاديين إلى مبدعين، وهذا ما يميز بين المشرف العام العادي والمشرف العام المبدع ولكن هذا لا يكفي حيث لا بد وأن يكون ملماً بالبرامج المدروسة وبالمكونات العامة لمصادر التعلم والمختبر ومعامل اللغات ومعامل الحاسب كما يتوجب عليه أن يكون على معرفة بالشبكات ومواكبا لمصاريف الاستهلاك وممتلكا لأبجديات التصرف المالي، وذلك يحتاجه في إعداد سياسة مقاومة الهدر وفي تعامله مع المزودين وغيرهم، ولكن الأهم من كل شيء هو المؤهلات الذاتية والشخصية القادرة على هضم كل الصعوبات وتحويلها إلى تحديات. هذا ولا ننسى فريق العمل الذي له دور في إنجاح مهامه. العقل القيادي في المنظومة التربوية السعودية المعاصرة: الحفر المعرفي في العقل المتخفي خلف هذا الفكر الريادي في مجال التربية والتعليم يجعلنا أمام مجموعة هامة من الأسس. أولها الفلسفة التربوية الرشيدة في ظل خيارات سياسية واضحة المعالم والأهداف، لذلك كانت النتائج مشابهة والتطلعات أفضل. ثانيها ما يقوله ابن خلدون العدل أساس العمران من أهم أسباب النجاحات التعليمية في المملكة الاستقرار السياسي. ثالثها ما تنعم به المملكة من رخاء ونماء انعكس على القطاع التعليمي. رابعها الخيار الواضح لوزارة التربية والتعليم التي جعلت التعليم عصرياً ومتنوعاً ومستجيباً لكل الاحتياجات فنجد المدارس الأهلية والمدارس العالمية إضافة إلى المسارات المصرية والديبلوم الأمريكي وغيره، هذا التنوع أفرز منافسة قوية تحت إشراف دقيق مما ولد هذه النجاحات. العقل التربوي السعودي الخلاق الذي أفرز بيئة تعليمية جذابة ومخرجات تعكس صدق المبادئ.