كانت هزيمتي الوجدانية عميقة، وأنا أستمع لإجابة أبنائي حين سألتهم عن "آمنة بنت وهب"، التي كان اسمها مكتوبًا كعنوان لأحد شوارع مدينة جدة. لحظات صادمة استشعرت فيها مكمن الخطر الذي بتنا نعيشه اليوم؛ في إجاباتهم المتلعثمة، وضح كم الجهل المفرط الذي أصبح أبناؤنا يعيشونه إزاء سيرة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. حرص أبنائي على عصر ذاكرتهم لمعرفة من تكون السيدة "آمنة"، تسابقوا لتقديم كم من الإجابات لعلّها تخفف شيئًا من حزني، وتبدّل بعضًا من ملامح وجهي، الذي أضحى مُكفهرًا من شدة الألم والحسرة. ذلك هو حال كثير من أبنائنا اليوم في تعاطيهم مع سيرة خير البشر، ولهذا فلا غرابة أن يتوه كثير منهم ليمارسوا عددًا من المسلكيات الخاطئة، وينغمسوا في أعمال ما أنزل الله بها من سلطان، لكونهم ليسوا على دراية بكثير من تفاصيل سيرته العطرة، التي تعكس أحكامًا شرعية، وقيمًا خلقية، وسلوكًا بشريًّا ناصع البياض، إذ هو بأبي وأمي قد بلغ العلا بكماله، وكشف الدجى بجماله، وساد العالمين بخصاله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله في كل وقت وحين. وصدق المولى القائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا). فهل حقا بات رسول الله لنا أسوة حسنة في كل معاملاتنا وتصرفاتنا وسلوكنا الحياتي؟ في يقيني أن الإجابة الصادقة تستلزم قدرًا كبيرًا من المُكاشفة، وتقتضي أن نكون صادقين شهداء لله حال وقوفنا على مكمن الخلل في جُل تفاصيل ثقافتنا الحياتية، التي لم تعد تستقي نور دربها من هدي المصطفى وسيرته العطرة، والسبب أننا صرنا بعيدين عن هذه السيرة عمليًّا ومعرفيًّا. أذكر أننا كنا ندرس علاوة على كتب السيرة والتاريخ النبوي، كتابًا باسم صور من حياة النبي، وصور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، وكم كان لتلك الكتب وقعها في نفوسنا. على أن ارتباطنا بالسيرة لم يقتصر على ذلك وحسب، بل كانت حياتنا حفية بمجالس الذكر النبوي، التي ينتشي فيها المحبون سرورًا وفرحًا بذكره الطاهر، كما كان إعلامنا مكتنزًا بالعديد من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، التي تحكي بعضًا من تفاصيل سيرته الشريفة. ما أحوجنا اليوم إلى تكثيف تعليم سيرة نبينا، لنتمكن من تعزيز قيم الاعتدال والتسامح في ثقافتنا، وما أجمل أن يكون ذلك بمختلف تقنيات العصر، وكم كان سروري بالغًا حين تشرفت بزيارة معرض "السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ"، الذي تتضاءل بين أروقته كل معاني المعرفة ودلالاتها، إذ لا معرفة فوق معرفة سيرته العطرة صلى الله عليه وآله وسلم. فشكرًا للقائمين على ذلك، وكم هو الرجاء بأن يصبح المعرض قائمًا في كل قرية ومدينة. zash113@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain