إن حادثة المعلم الذي اعتدى بوحشية على الطالب الصغير في حلقة التحفيظ بأحد مساجد مكة المكرمة من الحوادث التي ما زالت مستهجنة من الجميع، لكن المصيبة بأنها مقبولة اجتماعياً وأسرياً لدى الكثير من أولياء الأمور الذكور بالذات بحجة التربية الحازمة، وقد لا نلومهم لهذا التوجه التربوي اللاإنساني، لأنه من أساس تربيتهم القاسية والخاطئة من الصغر، لذا قد عاشوا طفولتهم وشبابهم وتشبعوا بمفاهيم تربوية خاطئة وقاسية بحق زوجاتهم وأبنائهم. فهذه النماذج الأبوية القاسية أعطت لنفسها الحق في التربية لدرجة التعذيب، وأعطت لنفسها الحق في التنازل عمن يؤذي أفراد أسرتها بدون وجه حق، وهذا ما قام به والد الطفل المُعنف في المسجد وهو يتنازل ببساطة عن حق ابنه في معاقبة ذلك المعلم القتالي بحجة أنه «ولي أمره وموافق على ذلك»!! هذا الأب بلا شك نتاج للفهم الخاطئ للحديث النبوي الشريف «أنت ومالك لأبيك» الذي كانت مناسبته مالية أكثر منها تربوية، والهدف منه الإباحة للوالد في الأخذ من مال ابنه عند حاجته، وليس الهدف منه التملك المالي والبدني والفكري كمثل ما يؤمن به كثير من الآباء الذين يبررون تربيتهم لأبنائهم لدرجة التعذيب لأنهم من ممتلكاتهم الخاصة التي تبيح لهم أحقيته في التعنيف والتعذيب والقتل أيضاً! ولا يحق لمن كان أن يحاسبهم! وهذا ما نعاني منه خلال مشاهداتنا ومباشرتنا اليومية لحالات الأطفال المُعنفين من آبائهم، حيث ما زالت ثقافة التملك البدني والروحي للأبناء موجودة على الرغم من نظام العقوبات، وعلى الرغم من انتشار الثقافة الحقوقية والمتقدمة بمراحل عن السابق! مما يدل على أن المعتقدات الدينية الخاطئة والمغروسة في حياة هؤلاء أقوى من العقوبات المقررة شرعاً بحق من ينتهك براءة الأطفال، وأقوى من التوجهات الحقوقية والتوعوية الحالية، لذلك لا يمكن معالجتها وتصحيحها ببرامج تثقيفية عابرة أو حملات توعوية عاجلة، بل تحتاج لتدخل المُشرع ليقول كلمته وحكمه العادل بحق هؤلاء الضحايا، للحد? من استغلال تلك الملكية التربوية الخاطئة. فضحايا الفهم الخاطئ لحديث «أنت ومالك لأبيك» من عقود مضت أنتجوا للجيل الحالي ضحايا آخرين لكنهم أشد قسوة وغلاظة منهم في تعاملهم مع أطفالهم الذين تنتهي حياتهم إما بالموت نتيجة التعنيف القاتل! أو بالخلل النفسي والسلوكي ليكونوا بعد ذلك من الجانحين أو المجرمين نتيجة لما عاشوه من معاناة مع أقرب الناس لهم! ولا بد من معالجة هذا الفهم الخاطئ لتملك حياة الأبناء والتحكم فيها كيفما يشاءون من تعنيف وتعذيب واستهتار وعدم القيام بحقوقهم المشروعة، وذلك عندما يقول الحق كلمته، ويتم تطبيق العقوبات الرادعة في كل من أهمل واجبه تجاه أبنائه أو حرض أو عنف أو قتل حتى يكونوا عبرة لغيرهم من المتهاونين بتوجيهات شريعتنا الإسلامية القائمة على الرحمة والمودة وليس التعنيف والتعذيب الوحشي! وألا يترك لهم الحق كاملاً في المطالبة بحقوق أبنائهم المتضررين من عدمه لأنهم لا يستحقون من يمنحهم تلك الثقة الشرعية. فالمحاكم الشخصية الآن عليها مسؤولية عظيمة تجاه ذلك، حتى لا تزداد نسبة ضحايا الملكية الأبوية أكثر مما نشاهده يومياً!!