رائعة كانت تلك الكلمات التي شنف بها آذاننا الأمير الشاعر خالد الفيصل حيث قال: لكل أمر سلطان، وسلطان الثقافة قاسمي، ولكل أمل في الحياة بارقة، وبارقة الآمال شارقة، فاقترن الأمر بالأمل في سلطان الشارقة. نعم هكذا افتتح الأمير خالد خطابه بهذه الكلمات المسجوعة التي لم تكن أقل من قصيدة شعرية، ومثل هذه العبارات الجميلة كانت تسمى بالأمس عند علماء المعاني والبيان والبديع بالنثر الفني، فالنثر الفني سحره الأخاذ بمجامع القلوب كسحر الشعر المقفى الموزون. وليت مدّعي العلم والأدب والمعرفة اليوم حافظوا على تلك الأسس الراقية للكلام العربي، والقواعد الثابتة للشعر العربي المقفى الموزون، والنثر الفني المرصع بيواقيت علم البديع، فلم يخلطوا بين الشعر واللاشعر، وبين النثر الفني والشعر المنثور، وكم من الظلم أن نسمي الشيء بغير اسمه، وندعي بعد ذلك أن الأوائل رجال والأواخر رجال، ولا فضل للأوائل غير قدم الولادة. هؤلاء الذين لا يتذوقون ما كتبه القدامى ولا يستسيغون قراءته أعذرهم ولا أعذرهم، ومع احترامي لهم ينطبق عليهم قول المعري: إن يكرهوا طعم القريض فعذرهم بادٍ كحاشية الرداء المُعلَم هم مُحرمُون عن المناقب والعلا والشعر طيبٌ لا يحلّ لمُحرم فشكراً للأمير خالد الفيصل واعتزازه بلغته العربية الأصيلة، وشكراً على إحيائه هذا التراث البلاغي الجميل في عصر يكاد كل جميل منكراً، وكل قبيح مبتكراً. أما صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فلاشك أنه نادرة زمانه، ولم يطلق عليه الأمير خالد الفيصل لقب الشيخ المثقف إلّا أنه وجده كذلك. فأبارك لسموه هذه التظاهرة الثقافية السنوية التي تألقت في سماء معارض الكتب، وأصبح معرض الشارقة للكتاب الأكثر تألقاً على الأقل على مستوى الشرق الأوسط، و إنني أهنئ الشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي على لمساتها على الساحة الفنية والثقافية. كما أشكر أخي أحمد بن ركاض العامري المشرف والمنظم المباشر لهذا المعرض، أشكره على ترجمته أفكار صاحب السمو حاكم الشارقة وتوجيهات الشيخة بدور بشكل سلس. فما رأيته هذا العام أرقى بكثير وأفضل بكثير وأروع ترتيباً وتنظيماً، ابتداء من حفل الافتتاح وتكريم الفائزين، وانتهاء بقاعات المعرض وأجنحة العارضين التي فاقت دور النشر فيها 1500 دار نشر. ولا يفوتني أن أقول: لصاحب السمو حاكم الشارقة في كل عام مفاجآت، فمرة يتحفنا بمؤلفاته، ومرة يتحفنا بقراراته وتوجيهاته، فنقرأ في هذا العام في كتابه الجديد فرائد البيان عصارة أفكار سلطان الإنسان وسلطان العالم. ونسمع سموه يدعو إلى عقد المؤتمر الديمقراطي الثقافي العربي، فهو من منطلق عروبته يرى أن المجتمع العربي أسير تشوهات خَلقية وخُلقية لذا لابد من تحريره وإجراء عمليات تجميلية له حتى يستعيد عافيته ورونقه وبهاءه. وسموه لايزال يرى أن المصلحة الخاصة في العالم العربي تتغلب على المصلحة العامة، ويرى أن الإعلام بإمكانه أن يلعب دوراً إيجابياً أكبر في إعادة الوضع إلى نصابه، فيقول في أحد خطبه: يمر عالمنا العربي بمرحلة حرجة اختلطت فيها الأمور، فنشاهد صاحب التنوير يدخل العتمة، وصاحب الحق يمتطي الباطل، وصاحب العفة تكشف أستاره عن شهوات دنيئة، وأصحاب الفكر يتوهون بين الحقيقة والخيال، إلّا من رحم ربي فأين الإعلام من ذلك. وما أروع قول سموه عند ما يقول: إن مهنة الصحافة والإعلام لا تقل خطورة عن مهنة الطبيب، فخطورة القلم أشد من خطورة المشرط بيد الطبيب المرتعشة، كمناورات الدعاية ونشر الأخبار الكاذبة للتضليل وعدم التثبت من مصادر المعلومات أو احترام الحياة الخاصة. نعم... وقد رحب الجميع في الداخل والخارج بعقد مثل هذا المؤتمر الذي دعا إليه صاحب السمو حاكم الشارقة، لعلهم يجدون من خلاله طريقاً إلى نور العلم وتحرير الفكر، فشكراً لسموه على ما قال وعلى ما دعا إليه.