أظهر تقرير أصدره «البنك الأفريقي للتنمية»، أن دول شمال أفريقيا الخمس الممتدة من المغرب إلى مصر والتي تُعرف بـ "دول الانتقال الديموقراطي»، تملك فرصاً هائلة للنمو الاقتصادي بفضل الدينامية الديموغرافية المتمثلة في حجم الكفاءات المتاحة وعدد الخريجين الجامعيين، والداخلين إلى سوق العمل حتى نهاية العقد الحالي، والموقع الجغرافي، ما يجعلها منطقة جاذبة لفرص الاستثمار وزيادة التنمية المندمجة. في المقابل، تواجه تلك الدول على اختلاف ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تحديات بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، والتي تعتبر الأعلى في العالم بسبب اتساع معدلات بطالة الجامعيين والمرأة المتعلمة، وضعف سوق العمل المنظم واتساع ظاهرة النشاطات الهامشية. وأفاد التقرير بأن 30 في المئة فقط من العاملين في المغرب و46 في المئة في تونس و50 في المئة في مصر، يملكون عقود عمل رسمية. وأن نسبة العاملين إلى مجموع القوة العاملة تظل ضعيفة وتقل عن 50 في المئة من إجمالي القادرين على العمل. ما يزيد في اتساع بطالة الشباب وظاهرة القطاع غير المهيكل، على رغم النمو الاقتصادي المرتفع الذي حققته في السنوات الأخيرة والذي لم يستفد منه جميع السكان. ويميل الخبراء إلى الاعتقاد بأن النمو الاقتصادي في هذه الدول لم يساير الزيادة السريعة في الطلب على العمل المقدر بحوالى مليون شاب سنوياً. كما أن تخلف أنظمة التعليم وعدم ارتقائها إلى حاجات القطاع الخاص والمهن الجديدة، عطّل وتيرة اندماج الشباب المتعلم في سوق العمل، وتحول من عنصر قوة إلى عامل ضعف وتحدٍ كان من أسباب اندلاع «الربيع العربي». ومن وجوه الخلل المسجل في ضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي والتنمية، أن «سكان المناطق الساحلية كانت لهم فرص عمل ودخل أعلى من سكان المناطق الداخلية والنائية خلال السنوات الماضية. كما أن معدلات الفقر والهشاشة أكبر في العشوائيات بسبب ضعف البنيات المستقبلة للاستثمار»، ما يفسر الكثافة السكانية في مناطق وخلو أخرى من السكان لغياب شروط العيش والدخل. وأكد التقرير أن التنمية المستدامة في هذه الدول هي السبيل إلى توزيع عادل للثروات بين الفئات العمرية وبين الطبقات الاجتماعية والمناطق الجغرافية للسكان الذين يقدّر عددهم بحوالى 170 مليوناً. وأشار الى أن الدخل الفردي الحقيقي كان أقل مما حققه النمو الاقتصادي بين عامي 2006 و2010 في دول شمال أفريقيا، حيث بلغ النمو أكثر من 6 في المئة في مصر ولم يتجاوز الدخل الفردي الحقيقي نسبة 4.3 في المئة خلال المرحلة، وبلغ الدخل في المغرب 3.8 في المئة والنمو 5 في المئة، وفي تونس كان 3.6 و4.6. والأمر ذاته في الجزائر التي حققت نمواً ضعيفاً في تلك الفترة قدر 2.5 في المئة والدخل الفردي 1 في المئة، بينما كان المتوسط الدولي 2.3 في المئة والدخل 1.1 في المئة، أي أن شمال أفريقيا كانت أسرع في النمو والدخل لكنها لم تتغلب على بطالة الشباب والفوارق الاجتماعية. ويعتقد «البنك الأفريقي للتنمية» إن المغرب استفاد من استقراره السياسي والاجتماعي في زمن «الربيع العربي»، وحقق نمواً بلغ 4.7 في المئة وجذب استثمارات أجنبية قدرت بنحو 3.5 بليون دولار سنوياً في المتوسط، مكّنها من تقليص عجز الموازنة وتحسين مركزها في التنافسية الدولية ومناخ الأعمال من 95 إلى 87 دولياً. لكن الرباط لم تحقق نتائج مماثلة على مستوى فرص العمل حيث قُدرت بطالة الشباب بأكثر من 19 في المئة العام الماضي. وعلى رغم النجاحات الاقتصادية التي حققها المغرب، لا تزال سوق العمل تعاني هشاشة وازدواجية ينشط فيها القطاع غير المهيكل من دون شروط الحماية الاجتماعية والحد المقبول للأجر. ودعا المصرف الأفريقي الرباط إلى اعتماد سياسة مالية عامة ناجعة، وخطط اقتصادية تنموية يقودها القطاع الخاص يكون من نتائجها إحداث مزيد من فرص العمل للشباب والنساء وتسريع الدمج الاجتماعي للفئات الهشة. وتمثل خطة الإقلاع الصناعي التي تمتد حتى عام 2020، فرصة أمام المغرب لزيادة حجم الصناعة في مجموع الناتج الإجمالي من 14 إلى 23 في المئة، وتوفير 500 ألف فرصة عمل جديدة في السنوات الست المقبلة. أما الجزائر فهي أغلى بلد نفطي في شمال أفريقيا ويُتوقع أن تحقق نمواً من 4 في المئة في 2014 و2015، لكن البلد يعاني بطالة كبيرة تقدر بنحو 22.4 في المئة بين الفئة العمرية من 15 إلى 25 سنة بسبب ضعف فرص العمل المتاحة نتيجة اعتماد الجزائر على الموارد النفطية والاستثمارات العامة، وضعف القطاع الخاص. وينصح التقرير باعتماد إصلاحات اقتصادية جوهرية تقوم على تحديث آليات الاقتصاد والنظام المالي والمصرفي وتنويع مصادر الدخل والتنمية، وإطلاق برامج إستثمارية كبيرة لامتصاص بطالة الشباب خصوصاً في مشاريع الإسكان والبنى التحتية. وفي تونس تبدو آفاق النمو واعدة بالنظر إلى حجم الدعم الإقليمي والدولي لإنجاح الديموقراطية، لكن البلد يعاني صعوبات مالية وإنتاجية ونقصاً في الإيرادات والاستثمارات الخارجية، وخللاً في التنمية بين سكان المناطق الساحلية السياحية ذات البنى التحتية الجاذبة، والأخرى الداخلية التي تعاني الفقر والبطالة والتهميش، وهي صورة مصغرة لمجموع منطقة المغرب العربي حيث تنتشر المهن الهامشية وضعف الأجر والتنمية البشرية بعيداً من المركز.