قرأت مؤخرا في عدد من الوسائل الإعلامية أن المملكة أصبحت أكبر مستهلك للتبغ في العالم «تبعا لعدد السكان» ، بقيمة 3.6 مليارات ريال وأكثر من 38 ألف طن من السجائر خلال العام الماضي 2013, لتنضم هذه الصدارة إلى سلسلة من مسببات الوفاة والسلبيات الأخرى التي أصبحنا بشكل مفزع ننافس على صدارة قوائمها على مستوى العالم خلال السنوات القليلة الماضية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أمراض السكري (المملكة الأولى عالميا بنسبة 25% من إجمالي تعداد السكان)، والسمنة (20 ألف حالة وفاة سنويا)، والحوادث المرورية (الأولى عالميا في 2013 بمعدل 17 حالة وفاة يوميا)، ومعدلات استهلاك المياه (المركز الثالث عالميا بمعدل 250 لترا للفرد يوميا)، واستهلاك الطاقة (الأعلى عالميا في نسبة استهلاك الأفراد)، وهذه المعدلات باتت تشكل خطرا متناميا يهدد أمننا الاقتصادي والصحي والغذائي والاجتماعي بشكل متسارع. وهذه الإحصاءات تتشعب وتجرنا إلى سلبيات أخرى، فعلى سبيل المثال، بسبب زيادة معدلات استهلاك الفرد الحالية للتبغ وزيادة نسب المصابين بالسمنة والسكري ازداد معدل وفيات أمراض القلب، وهو المسبب الأول للوفيات بالمملكة بنسبة مقدرة بحوالى 42% ، ثم يأتي «ارتفاع ضغط الدم» كثاني مسبب للوفيات، ويضعنا في المرتبة الرابعة عالميا، وهذا أيضا مرتبط بذات الأسباب، ويليهم «الحوادث المرورية» كثالث أعلى مسبب للوفيات في المملكة، وحصدنا في ذلك المراكز الأولى عالميا خلال العام الماضي بمعدل 17 حالة وفاة يوميا، و68 ألف إصابة سنويا وخسائر مادية تتجاوز 13 مليار ريال. أما بالنسبة لمعدلات استهلاك الفرد للمياه، فعلى الرغم من محدودية مصادر المياه الطبيعية لدينا، إلا أن متوسط استهلاك الفرد بلغ 256 لترا يوميا، وهو ما يعادل قرابة ضعف متوسط الاستهلاك العالمي المقدر بـ 130 لترا للفرد، أما على صعيد معدلات استهلاك الطاقة، فكشفت تقارير دولية أن الهدر والإسراف الحالي في استخدام الفرد للطاقة سيكلف المملكة 36 مليار دولار سنويا خلال العقد المقبل، وأكدت إحدى الدراسات أن المملكة تنتج أكثر من 12 % من الطلب العالمي للبترول، إلا أنها تستهلك 24 % من الاحتياج المحلي بمعدل (3) ملايين برميل يوميا، وأن الاستهلاك المحلي سيصل في السعودية عام 2030 إلى 50 في المائة إذا لم يتغير نمط الاستهلاك من خلال «التوعية والترشيد» ، بل وأشار تقريـر سابق عن مجموعة «سيتي جروب» للأسواق صدر قبل عامين في 152 صفحة، افترض فيها أن حجم معدلات الاستهلاك الحالية سيقودنا لاستيراد النفط بعد أقل من عقد ونصف من الآن. ويجب أن ندرك بأن قضية تصدرنا لهذه السلبيات تتعلق في مجملها بشكل مباشر بخلل في التوعية المجتمعية، والأمر الخطـير، هو أن هذه المعدلات التي تتسارع في النمو سنويا لا ترتبط بشكل أساسي بنسبة تزايد النمو السكاني، بل هناك تزايد فعلي في هذه المعدلات يفوق نسبة زيادة التعداد السكاني سنويا، ولأسباب متعددة، منها عدم إدراك الفرد بهذه المخاطر، أو عدم الاهتمام وعدم المبالاة، وعدم وجود رادع قوي يحد من هذه السلوكيات، وضعف أو غياب برامج التوعية والتحذير، وربما هذه البرامج بحاجة لدعم وتحديث من قبل الجهات المعنية. كما أن الدراسات والإحصاءات الحالية المتعلقة بمشاريـع التوعية وحملاتها وما يصرف عليها محدودة، ولا توجد لها معالم واضحة لدى الجهات المعنية في العديد من القطاعات الحيوية، وإن وجدت فمن الواضح أنها لم تكن فاعلة، وهذا ما يجعل تكلفة برامج التوعية مكلفة جدا نظرا للتأخر في تطبيقها، واستشهادا على ذلك، أوصت دراسة كشفت عنها الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض مؤخرا بأهمية إنفاق نحو 1.3 مليار ريال سنويا على مشاريـع السلامة المرورية من أجل وضع إجراءات كفيلة بتخفيض الإصابات والحوادث، أي بمعدل 10% من حجم الخسائر الحالية.. ولذلك.. ما طرح في حيز المقال ليس انتقاء للسلبيات أو مجرد نظرة ضيقة ومحدودة في الجزء الفارغ من الكوب الممتلئ ، بل نحن في خطر محدق بسبب هذا الهدر الكبير في مواردنا البشرية والطبيعية، ولا يبدو أن شيئا يكبحنا عن الاستمرار في رفع هذه المعدلات التي ستقضي تدريجيا على الاقتصاد والبيئة والبشر، في ظل غياب خطط التوعية المجتمعية الفاعلة، وكلما تأخرنا في تطبيقها، تكون الحلول باهظة وبحجم وزارة للتوعية. ktashkandi@okaz.com.sa