لماذا لا يزال يتعثر مجلس التعاون الخليجي بخلافات سبق أن اجتاز مثيلاتها فيما مضى من أحداث وأخطار؟ لماذا لا توجد آلية في مجلس التعاون تأخذ على عاتقها دراسة وتقييم الصعوبات والعقبات التي يمكن أن تتسبب من حين لآخر، بتعكير الأجواء وإعاقة تقدم مشروعات المجلس؟ لماذا يتم تقديم الثقة على العمل في ثقافنا العربية، إذا لم يكن بمقدورنا إيجاد آليات شفافة تضمن نجاح العمل والإنجاز وتحصنه ضد العودة لنقطة الصفر؟ لماذا تطاردنا ثقافة الصفر، حتى عندما نقف على حجم مهول وكبير من الإيجابيات؟ من المعروف أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية ولد في ظروف سياسية وأمنية صعبة 1981، وذلك نتيجة للتوترات والاضطرابات السائدة وقتها جراء نشوب الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة، وانعكاسا لحاجة أعضاء المجلس في توحيد مواقفها السياسية والاقتصادية والعسكرية حيال تلك الحرب وتداعياتها إقليميا ودوليا، لكن مجلس التعاون وجد فيما بعد أفقا اقتصاديا وسياسيا يعمل في ظله أعضاء المجلس لما بعد الحرب، حيث القواسم الثقافية والسياسية المشتركة المحفزة للاستمرار وصولا لنوع من أنواع الاندماج أو وحدة فيما بين هذه الدول، خاصة ما بين شعوبها وأنظمتها السياسية من أواصر ومشتركات. أثار تأسيس مجلس التعاون الخليجي قلقا حينها لما قد يتسبب به من إضعاف لدور جامعة الدول العربية، خاصة أن مؤسسيه كلهم أعضاء في الجامعة العربية. لكن فلسفة سياسية سادت آنذاك الأجواء العربية مؤداها أن الاتحادات والمجالس العربية هي نماذج مصغرة تخضع لتجربة عملية بين بعض أعضاء الجامعة، قد تسهم في تنضيج تجارب كل مجموعة متجانسة من الدول العربية لتثمر عملا عربيا مشتركا فيما بعد على مستوى أجهزة ومؤسسات الجامعة العربية، وتؤسس لعمل عربي موحد يرقى لحجم وأهمية الجامعة العربية والدور والطموح المنشود للجامعة ويكون أكثر فاعلية وحيوية لآلية العمل في الجامعة. فلم تمض فترة طويلة حتى أعلن عن تأسيس مجلس التعاون العربي وفي نفس العام 1989 أيضا تم تأسيس اتحاد المغرب العربي. لكن الواقع السياسي كان عصيا على بلوغ تلك الطموحات، فمات بعد فترة وجيزة مجلس التعاون العربي، وأصيب بالشلل شبه التام اتحاد المغرب العربي، فيما بقي مجلس التعاون الخليجي يمضي بخطى بطيئة ومترددة في ردم الهوة بين التطلعات الوحدوية والواقع لكل دولة من دول المجلس. فضلا عن التحديات التي مرت بها المنطقة والتي أضعف بعضها عزيمة المجلس وفت في عضده ونضج بعضها تلك الطموحات وقربها كثيرا من الواقع. فالعملة الخليجية والاتحاد الجمركي والسوق الخليجية وشبكات الكهرباء والماء والطرق وسكك الحديد، وتنقل مواطني دول المجلس وتوحيد أنظمة ومواصفات عديدة مشتركة ودرع الجزيرة والاتفاقات المشتركة وغيرها، مشروعات دغدغت أحلام وطموحات قادة ومواطني المجلس وصولا إلى فكرة تحول المجلس من التعاون إلى الاتحاد، فتراوحت بين أرض الواقع الحاضر وسماء الطموحات المستقبلية ومنها ما تحقق تماما أو تحقق جزئيا، ومنها ما ينتظر مرهونا إما بالبيروقراطية الإدارية أو بالإرادة السياسية أو بضغوطات تستجد مع كل أزمة من الأزمات التي مرت وتمر بها المنطقة. بصرف النظر عن كمية الإنجازات التي حققها المجلس ونوعيتها، وبصرف النظر عن المدة الزمنية التي استغرقها المجلس في الوصول إلى ما وصل إليه، فإنه من المهم أن تبقى الثقة قوية بين أعضاء المجلس، لأنها الضمانة للحيلولة دون تآكل المنجزات، وإذا فقدت الثقة، فإن أي قوة لا تستطيع إعادتها أو استعادتها بسهولة وبنفس المستوى المطلوب، وهي أهم بيئة يمكن أن تولد في كنفها المشروعات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الطموحة، وهذا يتطلب حسن النوايا بالتأكيد ولكن أهم من حسن النوايا العمل بشفافية. من المهم ألا تكون الإنجازات التي يتم تحقيقها مرهونة بظرف مؤقت أو مصلحة ضيقة وألا تكون بمعزل عن الضوء والهواء، ولنا مثل في العديد من المنظمات والمؤسسات التي ولدت مع كل عوامل النجاح لكنها أخفقت لهذه الأسباب. إن الأزمات السياسية التي قد يمر بها مجلس التعاون، تطرح علامة استفهام على الآليات التي يتم بها تناول قضايا الاختلاف والتي تطفو على السطح من حين لآخر وفي أي مرحلة انتقالية ومع أي من المتغيرات الإقليمية والدولية. يجب أن يتوقع ويتقبل المجلس أي اختلافات أو خلافات ويوجهها في مساراتها الطبيعية حسب آليات يكون توصل لها المجلس من خبرته الطويلة في تجاوز الأزمات وفي جو من الأريحية والحوار الودي الصادق وألا يؤثر خلاف في ملف من الملفات على بقية الإنجازات، وهذا ما يحصل مع كل الدول والمجالس والاتحادات في العالم، يجب أن يتجاوز المجلس بسياساته وآلياته اللونين الأبيض والأسود، فالسياسة هي فن الممكن، وأي خطوة يتم تجاوزها لا يجوز التراجع عنها والعودة إليها، وإلا سيكرر مجلس التعاون المشكلات التي تعاني منها جامعة الدول العربية والتي تسببت أصلا بوجود المجالس العربية لعدم شفافيتها ولعدم وجود آليات عمل فضلا عن نظامها المبني على الإجماع في قراراتها. مطلوب منبر لحوار خليجي خليجي مستمر وبكافة المستويات، لكي لا يكون تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي أدوات لتشظي أي عمل وحدوي وحبل غسيل تنشر عليه ملابس اليأس، فترمي بها الريح كل صباح إلى بيوت الجيران. إننا نقبل ونتفهم ونطالب بتوسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي، وصولا لمشروع عربي حضاري عصري، لكننا نطالب بحوار إيجابي ونطالب بإعادة هيكلة المجلس ودراسة أنظمته في ضوء المستجدات والأخطار، منعا للعودة لنقطة الصفر، لا قدر الله، لأن المطلوب من المجلس أحد أمرين إما النجاح وإما النجاح.