أصبح الأمر طبيعياً عندما تدلف إلى أحد المحال الرجالية أو المطاعم والمقاهي وتجد أنّ من يقدم الخدمة هم شباب سعوديون لم يتجاوز عمرهم العقد الثاني.. شباب قادوا التغير وسلاحهم التحدي لإثبات أنّهم لا يحلمون فقط ب"الكراسي الدوارة"، وإنما يحلمون ببناء مستقبلهم.. شباب تعاظمت لديهم ثقافة العمل من أجل اكتساب الخبرات، وطرق التعامل مع ثقافات مختلفة من دول العالم من خلال الالتقاء بهم، حيث بدأ جيل الألفية الجديدة من الشباب بالتغيّر وتطوير أنفسهم، والبعد عن كل ما هو رتيب وبطيء ولا يفي بمتطلباتهم ولا يحاكي فكرهم، وأزاحوا ثقافة العيب الموروثة من الآباء والأجداد في بعض المهن التي لم يعتد آباؤهم وأجدادهم العمل بها، وأشاروا للجميع ب:"نحن هنا، ولن ننظر للعادات والتقاليد السلبية"، وكل ذلك يظهر في بيانات صادرة مؤخراً عن وزارة العمل حول ارتفاع عدد العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص بنهاية عام 2013م إلى (1.47) مليون موظف وموظفة، بزيادة قدرها (332.2) ألفاً مقارنة بالعام 2012م، خصوصاً بعد القرارات والسياسات التي اتخذتها وزارة العمل خلال الفترة الماضية، وتطبيق العديد من البرامج التي عززت من تواجد المواطن داخل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب الحملة الأمنية التي شنتها الجهات الأمنية، وساهمت في تنظيف السوق من العمالة المخالفة وتجار الشنطة!. ويستمر الكثير من الشباب في أعمالهم حتى الحصول على الأفضل أو الترقية إلى مناصب عليا، وعلى الرغم من أنّ الراتب القليل والعلاوات ضعيفة، إلى جانب عدم إمكانية إكمال الدراسة، إلاّ أنّ الشباب يأملون في الحصول على تأهيل جيد يخدمهم ويساعدهم على تطوير أنفسهم وإمكاناتهم؛ مما يمكنهم من الحصول على ترقيات ورواتب أفضل، خصوصاً وأنّ النظرة تغيّرت وأصبح الكل ينظر إليهم بمنظور مختلف. خطة بديلة وذكر "راضي النهدي" -صاحب محال ملبوسات رجالية- أنّ الشباب السعودي يهوى التحدي، حيث ظهر ذلك جلياً بوجود عدد كبير من الشباب السعودي يقدمون ثقافة جديدة عن طريق العمل الجاد، وعدم الركون إلى التكاسل أو لثقافة "العيب" التي عفا عليها الزمن، مبيّناً أنّ الشباب يطمحون بتولي مناصب قيادية عليا في أعمالهم، من خلال زيادة محصلة خبراتهم بالعمل الجزئي. ولفت "إبراهيم محمد اليامي" -موظف في شركة وطنية- إلى أنّ خططته أن يدّخر جزءاً من راتبه للالتحاق بدورة مكثفة في اللغة الإنجليزية، ومن ثم دورة مماثلة في استخدام الكمبيوتر، وبعد ذلك التقدم لدراسة البكالوريس، والمبلغ الذي يتقاضاه من المؤسسة يصرفه على مبالغ المراسلات مع الجامعات خارج المملكة، مبيّناً أنّه قد وضع لنفسه خطة بديلة، فهو يرى أن باستطاعته النمو في هذه المؤسسة، وأن يصبح مسؤولا عن أحد فروع المؤسسة في السنوات المقبلة، في حال لم يتحقق حلمه في السفر لتكملة البكالوريوس. خبرة وممارسة وكشف "سلطان سعيد النجراني" -مسؤول مبيعات في إحدى شركات العطورات العالمية- إلى أنّه يطمح بالالتحاق بالدورات التعليمية في الكمبيوتر واللغة الانجليزية، التي تحتاج مبالغ إضافية، معتبراً الحصول على ترقية مربوط بالتطوير الذاتي؛ لذا قرر أن يعمل ويكتسب خبرة، موضحاً أنّ تفهموا طبيعة عمله، وأصبح يصنع الفرق، وبدأ كثير من شباب جيله يتعرفون على ثقافة العمل إلى جانب الدراسة، مضيفاً: "لا نحتاج إلى عمالة أجنبية أخرى في أعمال لا تكلفنا سوى تصدير ثقافتنا للغير، وأن تكون ملماً بعدد من الثقافات العالمية وبساعات قليلة في اليوم"، لافتاً إلى أنّ الحصول على الشهادة والبحث عن وظيفة أفضل هدف، ولكن الأهم هو كيفية الحصول على الوظيفة، مستدركاً: "لابد أن تملك ثقافة ومعلومات جيدة حتى تستطيع أن تحدث الفرق مع بقية المتقدمين، والفرق في وجهة نظري هو في الخبرة والممارسة ومعرفة كيفية التعامل مع الآخرين، والالتزام الذي لابد أن تتعلمه وأنت طالب، وليس كموظف". حوافز مشجعة وبيّن "فواز ضعيان" -مدير مكتب عقاري- أنّه بدأ يشعر بالأمان الوظيفي الذي افتقده منذ وقت، وبدأ يجني مالاً وفيراً جعله يفكر في اقتناء منزل ومحال تجارية أخرى يطمح في امتلاكها. فيما أوضح "أحمد المحزري" -موظف بأحد المطاعم وطالب في الصف الأول الثانوي- أنّه عانى من أجل إقناع والده بأهمية العمل إلى جانب الدراسة، مبيّناً أنّه بفضل هذا العمل الذي تجاوز فيه ثقافة العيب أصبح يملك خبرة جيدة يعمل على تطويرها في السنوات القادمة، إلاّ أنّه لم يخف تذمره من قلة الرواتب، وضعف الحوافز في بداية عمله. وقال "محمد التميمي" -محاسب في أحد محال بيع المواد الغذائية- أنّه ترك الدراسة من أجل العمل، مرجعاً ذلك لثقافة مدينته التي تشجع العمل كثيراً على الدراسة، لافتاً إلى أنّه لا يمانع أن يكمل دراسته إذا أتيحت له هذه الفرصة، معتبراً أنّها من أهم الإشكاليات التي تواجه الشباب السعودي العاملين، حيث لا يتم إعطاؤهم الفرصة بتكملة دراستهم؛ بسبب طول ساعات العمل. العمل الحر وطالب "د.محمد بن دليم القحطاني -مختص اقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل- بترسيخ ثقافة العمل الحر والعمل المؤسسي في القطاع الخاص، وأن تقدم لهم معونات مالية للشباب للدخول في غمار الأعمال، وافتتاح مشروعات جديدة كانت في السابق من المغضوب عليها، مؤكّداً على أنّ طبيعة الشاب السعودي حب التملك وهذا ليس بعيب في مجال الأعمال، لافتاً إلى أنّ ضعف الرواتب وقلة أيام العطل شيء طبيعي في بداية أي عمل، إلاّ أنّ بإمكان الشباب التغلب على ذلك من خلال "الفرنشايز" أو الامتياز بالمشاركة بفتح محال بماركات عالمية، وبدء العمل الحر للشاب السعودي بعدما بدأت تنحصر ثقافة العيب في الأعمال، في الوقت الذي يجري العمل للحد من البطالة والتشجيع على الأعمال الحرة، بعدما ظهرت الحاجة للعمل بين صفوف الشباب جلية في الألفية الجديدة.