تُسجل الإحصاءات من حولنا بالرصد والتحليل أن مجتمعنا هو من أكثر الأمم التي تهتم بالتقنيات، والمعلومات، وتحرص على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل لافت، بل وتتفاعل مع كل ما يسهم في مجالها، ومتابعة تطوراتها، وجلب أدق المبتكرات، واقتناء أحدث الموديلات في هذه التقنية. ولا يمكن أن تتوقف هذه الهجمة المعلوماتية، والتقنية التفاعلية عند فئة معينة من الناس، إنما انخرط الجميع فيها، إما لما يستشعره من ضرورة، أو يراه كماليات لا بد منها، أو لمجرد التسلية والترفيه، وإزهاق روح الوقت، وقتل الفراغ، وهذا ما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي عبر هذه الأجهزة والتقنيات مصدراً من مصادر الإنفاق التي تأتي كعبء إضافي لا يمكن تجاهله، أو التقليل من حجمه، فبات الجميع ـ رغم ذلك ـ يُغَرِّدْ .. وكل يغني على ليلاه، فلا تملك إلا أن تقول للمغردين والمغردات: وماذا بعد؟! من هنا يمكن أن ينظر إلى هذه القضية على أنها «حالة استهلاكية» بامتياز، ليس من قبيل اقتناء الأجهزة وشرائها، إنما بتأمل طريقة التعامل معها وتعاطيها، والتعلق بمضامينها، والتعرف على أسباب هذا الحرص والولع في اقتنائها بأي طريقة؟! فحينما نتأمل هذا المضمون الذي تسير فيه معلومات التواصل الاجتماعي ندرك أنها ذات طابع ترويجي، أو تفاعل آني، أو تداول نقلي دون وجود أي حالة إبداعية، أو ابتكارية، ليظل أمر التواصل عبر هذه المواقع والأجهزة أغلبه مكررا، ونمطيا، ويعتمد على النقل وإعادة النشر، مع وجود حالات «مناسباتية» تنتهي بانتهاء المؤثر، على نحو تداول الأحداث المفاجئة، أو الحوادث الأليمة. وما عداها فإنه لمجرد النقل والإطلاع والتأمل دون فرز رؤية مفيدة، أو اصطياد فكرة مناسبة إلا في حدود ضيقة، وفي حالات نادرة. فالتناول عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أقنيته وأوعيته ووسائطه يميل ـ إذا ما تفاءلنا ـ إلى الجانب السطحي أو العفوي الذي يظهر ممارسات الجيل الجديد في التفاعل مع أحداثنا اليومية المألوفة، أما وإن تشاءمنا فإن الأمر قد يعاد إلى وجود عوالم مضطربة، وسلوكيات متداخلة ومتشابكة، لا سيما حينما يكون الناقل غير أمين، والفكرة معدلة، وتمس جوهر الحقيقة بطريقة غير منظمة، بل أن في هذه المنقولات ما هو عبثي، أو محرف، على نحو ما يطال بعض الحقائق والوقائع، التي قد يُعْبَثُ فيها، وفق أهواء ومنطلقات ضيقة، تجعل هؤلاء المتداولين يخرجون من فكرة التغريد إلى العبث أو الجئير بالنواح والشكوى من أي أمر قد لا يروقهم، أو ربما يحسب هذا الجدل من قبيل تصفية الحسابات فيما بينهم من خلال وسائل هذا التواصل دون فائدة تذكر. والأخطر من هذا وذاك حينما يؤخذ أمر وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزته وأوعيته على أنه من قبيل «سعة الصدر» والتسلية، والاعتماد الكبير على هذه الأجهزة من أجل تمرير أي فكرة حتى وإن كانت هشة، أو مشوهة، لا نفع فيها، أو فائدة ترجى منها، وربما الاختباء وراء كل ما هو مستعار، وتقديم معلومات مجتزأة، وهذا جانب سلبي بات يزعزع الثقة فيما بين أيدينا من معلومات وصور وتقارير تتناول الأحداث اليومية.. فيضيع الوقت والجهد وأنت تبحث عن حقيقة ما من خلال متابعة عدة أخبار، لتحللها وتتأمل ما فيها، لعلك تعثر على الحقيقة بين أنقاضها.