ابتليت الأمتان الإسلامية والعربية بمنظري الموت ومحترفي الدمار الشامل الذين يقدمون حلولا تؤدي إلى الانتحار الجماعي، بدلا من البحث عن طوق للنجاة وأساليب حضارية للعيش السلمي الآمن. فتعالوا، نجري مقارنة بين حصار غزة وحروبها المدمرة التي أهلكت النسل والحرث والحيوان والشجر، وبين ما حدث لليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، لم ينزع الحلفاء سلاح ألمانيا واليابان فقط، بل نزعوا وروعوا حياة الناس، فقتل في الحرب العالمية الثانية أكثر من تسعين مليون نسمة، معظمهم في أوروبا، واستسلمت كل من اليابان وألمانيا للحلفاء، بعد هزيمة مرة نكراء، لو واجهت أمة عربية لزالت من الوجود والوجدان. فانظر، اليوم، لليابان وألمانيا بعد الاستسلام والخراب والدمار الذي حل بهما، أصبحتا اليوم أكبر قوة اقتصادية في العالم، وكأنهما لم تمرا بحرب دمرت كل شيء، فإذا بهما قد خرجتا من تحت الأنقاض أقوى مما كانتا بالأمس، لماذا؛ لأن إرادة الحياة لدى الشعبين الألماني والياباني أقوى من الموت، فعادت الحياة مرة أخرى أقوى مما كانت عليه، إنها إرادة الحياة التي تحول الهزيمة إلى انتصار. وقبل مقارنة ما حدث في غزة، نود أن نقول للمزايدين أصحاب الشعارات العنترية الانتحارية والموت المحقق نقول لهم: إن ما حدث في غزة لا تبرره جميع الأسباب، ولسنا لنبرر العدوان؛ لأن ما حدث في غزة يفوق الوصف والنسيان، وكان يمكن تجنب هذه الكارثة، لو تعقل زعماء حماس وخفضوا من موجة الحماس والشعارات المنددة والملوحة بالمقاومة، تخيلوا بالله عليكم لو أن الشعبين الألماني واليابان اختارا سبيل المقاومة مقام الاستسلام، العقلاني، لمحيت ألمانيا واليابان من الوجود، ولكنها فضلتا الاستسلام، مع الإصرار على الوجود والبقاء، فاثبتا بذلك أنهما اختارا فأحسنا الاختيار، البقاء على الانتحار العنتري. القضية الفلسطينية قضية ذات بعد ديني وتاريخي وسياسي في مجموعها تشكل بداية الكون ونهايته، إنها ملحمة الدنيا بأسرها، ومن لم يفهمها حق فهمها فإنه يفقد صوابه وعقله واتزانه، وفي النهاية يخسر حياته، بالنسبة للمسلمين، هناك الوعد الحق، الذي ورد في الذكر الحكيم القرآن العظيم، تجمع اليهود في فلسطين!. ولهم بداية ونهاية، ومن لا يعرف البداية والنهاية يخسر الاثنتين معا. ولكل أجل كتاب، وكل كتاب أجل، فإذا جاء الأجل جاء الوعد الحق!. بالنسبة للعرب، تظل المشكلة الفلسطينية محور خلافهم واختلافهم، لا على القضية الفلسطينية، بل منهم من يكفل القضية وتجير القضية باسمه، والكل يرمي أقلامهم أيهم يكفل القضية، فضاعوا، وأضاعوا القضية، وأي قضية أضاعوا!. وما بين بعد الفهم الإسلامي والعربي، والعنتري، ضاعت فلسطين، وضاع الفلسطينيون، وضاع المسلمون، وضاع العرب، وكل في فلك يسبحون نحو الهاوية، هاوية الإرهاب والدمار والقتل والانهيار من أجل شعار المقاومة، مقاومة من بالقتل والانتحار الجماعي لكل عربي ومسلم!. لو أن أمراء الحرب في غزة المتاجرين بالقضية الفلسطينية، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر في الخارج في فنادق مكيفة، ومنهم من لبس عباءة الزعامة وأدعى أنه هو الحاكم بأمره، وهذه فصائل المقاومة تدار من تحته، وعلى شعب غزة السلام من نساء وأطفال وشيوخ يموتون تحت الأنقاض، وأمراء الحرب في حماية الأعداء، لأنهم يخدمون العدو شاؤوا أم أبوا!. ما ضر، أهل غزة عندما انسحبت إسرائيل وأعطتهم الفرصة لإثبات أول مراحل تكوين الدولة الفلسطينية الموعودة، ماذا ضرهم لو أنهم أعلنوا منطقة غزة منطقة حرة للتجارة العالمية توصل بين الشرق والغرب، منطقة محايدة، مثلها مثل هونج كونج وسنغافورة... إلخ. لأصبحت غزة اليوم أكبر منطقة تجارية في المنطقة، ولضربت المثل الأعلى للشعب الفلسطيني في إصراره على حقه في البقاء والحياة، ما يدفع الضفة الغربية للانضمام لغزة الحرة لتشكلا وتصبحا أهم منطقة حرة عالمية تتدفق عليها رؤوس الأموال من كل حدب وصوب؛ لأنهما أصبحتا أهم قطب يجمع ممرا تجاريا عالميا بين الشرق والغرب، ثم ماذا بعد، تظل إرادة الحياة على البقاء أفضل من إرادة الموت بالانتحار بشتى الوسائل، لقد نسي الجميع أن الشهادة تكتب لكل من يموت مظلوما، ومطعونا، ومبطونا، وغريقا، ومسموما، ومطمورا... إلخ، وما الموت في الشهادة إلا من أجل أن توهب له الحياة، ومن أحيا نفسا واحدة كان كمن أحيا الناس جميعا، ومن قتلها ظلما وعدوانا أو حرص على قتل نفس واحدة كان كمن قتل الناس جميعا، ولم يأذن الله بالدفاع عن النفس إلا لمن ظلم، هذه إرادة الحياة التي أرادها رب الحياة والموت للإنسان أن يحيا عن بينة، أو يهلك عن بينة، أما الذين يحرضون على صناعة الموت، إنما يريدون أن يحاربوا الله ورسوله في الحياة ويعيثوا في الأرض مفسدين يهلكون النفس والحرث ويفسدون في الأرض، فإنما جزاء أمثال هؤلاء المفسدين الذين يحرضون على القتل والدمار والفساد في الأرض أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وبالرغم من ذلك لأن الله رب رحمة وحياة قال إذا تابوا من قبل أن تقدروا عليهم (أي قبل أن تمسكوا بهم لتقيموا عليهم الحد)، فإن الله من بعد توبتهم فإنه غفور رحيم، حتى المفسدون إذا تابوا لهم حق الحياة، ألا يعتبر تجار الموت أن الحياة هبة من عند الله، فمن أفسدها استحق الجزاء والعقاب، ومن أصلحها استحق ميراث الحياة، فقد كتب الله ــ عز وجل ــ في الزبور، ومن بعد ذلك في الذكر الحكيم، أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون، والعاقبة للمتقين!. نسأل الله أن يلهم جميع القادة أن يجنبوا شعوبهم الهلاك والدمار والخراب، في الوقت الذي كان يمكن لأولئك الانتحاريين أن يستسلموا مؤقتا ثم يعيدوا الحياة أفضل مما كانت عليه، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، الحكمة تقتضي الحياة، والحماقة تؤدي للهلاك والموت، والله المستعان.