نقلت صحيفة سبق الإلكترونية خبراً مفاده أن مواطناً من مركز العلبة التابع لمحافظة تربة تبرع للمركز الصحي بقريته بميزان حرارة نظراً لعدم توفره في المركز الصحي بخلاف قصور كبير به حسب ما ذكر بالخبر على لسان المواطن نفسه. أول ما يتبادر لذهن السائل: ما السبب لعدم توفر أبسط احتياجات أي منشأة صحية مهما كان حجمها فميزان الحرارة يتوفر بكل منزل فما بالك اذا كان الحديث عن منشأة صحية التي يجب أن تكون متكاملة المعدات والأجهزة لتقوم بعملها خصوصاً أن ميزانية وزارة الصحة تقارب خمسين مليار ريال لهذا العام وإذا كان البعض سيجيب بأنه الإهمال أو ضعف الإدارة أو أي سبب آخر هو عين المشكلة إلا أن البيروقراطية لعلها تكون الجواب الاوسع نطاقاً وشمولاً. هذا الخبر يجب ألا يقف عند حدود غرابته أو طرافته وأن القضية هي توفر ميزان حرارة، بل يجب ان يفتح الباب واسعاً على مستوى البيروقراطية التي تستشري بالأنظمة والتشريعات الناظمة لعمل كل الجهات الرسمية خصوصا الخدمية فلو قامت الجهات الرقابية المختصة سواء بوزارة الصحة أو نزاهه أو ديوان المراقبة العامة وغيرها من المعنيين بالتحقيق بهذا الخبر لوجدوا إجابات كثيرة تسمح بوجود الحلول المناسبة لكل أشكال البيروقراطية التي تقف عائقاً بوجه تقديم الخدمات على الشكل المطلوب بل ستكتشف كل جهه ما يعنيها سواء كان فساداً أو خللاً إدارياً أو إهمالاً أو ضعف رقابة تنتهي كلها عند قصور بالخدمات. بل إن الحاجة ملحة لفحص كل الانظمة بالعديد من الجهات الرسمية لمعرفة اثر البيروقراطية السلبي على التنمية وتوفير الخدمات وسنجد بكل جهة أشياء شبيهة بخبر ميزان الحرارة وتطالعنا وسائل الاعلام باستمرار بأخبار متكررة عن سلبيات بيروقراطية موجودة بأغلب الوزارات المرتبطة بالخدمات والتنمية. فقبل فترة قصيرة نشر خبر عن تأخر صرف دفعات للمقاولين بحوالي مائة مليار ريال عن اعمال نفذوها لمشاريع حكومية فمثل هذا الرقم سيؤدي بالضرورة اذا كان سببه البيروقراطية بالإجراءات لصعوبة كبيرة سيواجهها المقاولون بتوفير المال اللازم لاستمرار نشاطهم بالوتيرة المطلوبة خصوصا ان هناك ملاحظات عديدة ذكرت على لسان ممثلي هذا القطاع المهم بنظام المشتريات الحكومي سابقاً واعتبروها مطباً كبيراً يقف أمام مساهمتهم بالنشاط الاقتصادي القائم بالمملكة حالياً وغير المسبوق من حيث حجمه الضخم. إن الأنظمة إذا استفحلت فيها البيروقراطية تصبح قاتلة ومعطلة للتنمية وبوابة للاهمال والفساد ومؤثّراً سلبياً كبيراً على التوجهات الحكومية بخطط التنمية المستدامة وتسمح ببروز الصورة السلبية عن الخدمات المقدمة على حساب الإيجابيات مهما كبرت وقد ذكرت بمقال سابق الحاجة لوجود جهاز متخصص بفلترة الانظمة وتقليص البيروقراطية فيها فدولة مثل ألمانيا رابع اقتصاد عالمي لديها وزير دولة للتخلص من البيروقراطية، كما ان بريطانيا قامت بدراسة العام 2002 وجدت خلالها أن البيروقراطية تكلفها قرابة 458 مليار دولار سنوياً مما يعني بالضرورة حاجتنا الماسة لتطوير الإجراءات والإنظمة والتشريعات الحكومية لازاحة جبل البيروقراطية عن كاهل جسد التنمية لتسير عجلاتها بالسرعة المطلوبة.