مبنيان في جدة كانا على موعد مع الانهيار يوم أول أمس، أحدهما كان قديما مرت سنوات خمسون على إنشائه، والآخر حديث ولادة لم ينفض العمال أيديهم منه بعد، الأول تم إخلاؤه من سكانه والآخر كان لا يزال موعودا بمن يسكن فيه، أحدهما في جدة القديمة والتي أصبحت بيوتها القديمة جدا على موعدين، إما الموت حرقا أو الموت هدما، والآخر في جدة الحديثة التي تبنى بيوتها في غفلة من الأمانة، ويقظة من غش المقاولين وأطماع المالكين. مبنيان في جدة تواعدا على الانهيار، أحدهما كان حيا سكنيا في باب شريف، والآخر كان معدا له أن يكون مدرسة في حي الأندلس، وبلطف من الله لم يكن هناك ضحايا، ولو تقدم انهيار أحدهما قليلا لقضى تحت أنقاضه من كانوا يسكنون في أدواره الثلاثة وملحقه، ولو تأخر انهيار الآخر قليلا لمات تحت أنقاضه المئات ممن تكتب لهم أقدارهم أنهم سوف يدرسون فيه. مبنيان انهارا في يوم واحد، كأنما يبعثان معا رسالة واحدة لا يمكن أن يستوعبها إلا من كان له قلب يشعر وعقل يفكر، فإن لم يكن هناك من له نصيب من هذا أو حظ من ذاك فإن القادم أكثر خطرا فلا أمان في بيوت قديمة ولا سلامة من بيوت جديدة وبدون مراجعة شاملة لهذه وتلك فإن كثيرا من بيوت جدة سوف تتحول إلى فخاخ للموت وستضيق المقابر بقتلاها والمستشفيات بجرحاها والجهات المعنية بالتعرف على هوية أشلائها المختلطة بالحديد الذي أكله الصدأ والخرسانة التي فتتها الملح. كل التاريخ الذي نتباهى به أمام بيوت جدة القديمة لا يساوي روح إنسان واحد يموت تحت أنقاض بيت قديم، كل التوسع العمراني الذي يزهو به بعضنا الآخر سوف يتكشف عن كذبة كبرى إذا ما مات إنسان واحد تحت أنقاض مشروع حديث. فحياة الناس أغلى من بيوت لكثر ما عمرت بلغت مرحلة الخرف، ومشاريع ولدت وهي تشكو من الكساح وهشاشة العظام. Suraihi@gmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات، 636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 165 مسافة ثم الرسالة