أكد الشيخ عبدالله محمد النعمة، خلال خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد عبدالوهاب، اليوم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء معلماً ومزكياً لهذه الأمة، مرشداً مبيِّناً ما يصلحها، مبشراً بما أعد الله تعالى لها في الدنيا والآخرة. قال الشيخ النعمة: قال تعالى "لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم"، أرسله الله تعالى "مبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا". صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: وذكر قوله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: (فنظرت إلى الأفق فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ، ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ). وأضاف: "من هؤلاء؟ وما صفاتهم؟ وما الذي ميَّزهم؟ ما الذي جعلهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟ إنه لأمرٌ عجيب غاية العجب، عجب منه الصحابة الكرام، قومٌ يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب! هذه الجنة التي تنافس عليها المتنافسون، واجتهد لها المجتهدون، وشمَّر عن ساعديهم المشمرون، وسهر من أجل نيلها القائمون، خاض الصحابة في صفات هؤلاء القوم، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الاسلام، فلم يشركوا بالله شيئا - وذكروا أشياء - فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما الذي تخوضون فيه؟" فأخبروه فقال: "هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"، أيها المسلمون، هذا الحديث العظيم فيه صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. وقال الشيخ النعمة: "الشاهد عباد الله من هذا الحديث، هو قوله صلى الله عليه وسلم "وعلى ربهم يتوكلون"، يقول ابن القيم رحمه الله: "دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم ولكمال توكلهم على ربهم، وسكونهم إليه وثقتهم به، ورضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به، لا يسألون الناس شيئا". وأضاف: "عباد الله ما أحوجنا إلى الحديث عن التوكل على الله تعالى، وتعظم أهميته وحاجته في مثل هذه الأوضاع التي يعيشها المسلمون عموما والدعاة خصوصا، وفي هذه الفترة الحرجة التي تضعف ثقة البعض بالله عز وجل. إذ تكمن أهمية هذا الموضوع في هذه الظروف الحرجة والمرحلة الحاسمة التي تمر بها الأمة الإسلامية، حيث تداعت عليها أمم الكفر من كل حدب وصوب، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن للموضوع أهميته في غرس حقيقة التوحيد والعقيدة في نفوس أفراد هذه الأمة وجماعتها، حين توجهت قلوبهم إلى غير الله سبحانه. فالتوكل عباد الله، أجمع أنواع العبادات وأعلى وأعظم وأجل مقامات التوحيد. ولفت النظر إلى أن التوكل هو قطع القلب عن العلائق ورفض التعلق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوِّل الأحوال ومقدر الأقدار، لا إله إلا هو سبحانه، التوكل صدق وإيمان، وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله، وأمل يصحب العمل، وعزيمة لا يُطفَأ وَهَجُها مهما ترادفت المتاعب وكثرت الهموم، قال بعض الصالحين (متى رضيت بالله وكيلاً، وجدت كل خير سبيلا). وذكر: عظم الله من شأن التوكل وجعله منزلةً من منازل الدين، وقرنه بالعبادة في قوله: (فاعبده وتوكل عليه)، وجعله سبباً لنيل محبته (إن الله يحب المتوكلين)، وجعله شرطاً لحصول الإيمان به (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)، إنه مقام جليل القدر، عظيم الأثر، به رضا الرحمن، وفيه منعة من الشيطان، منزلته أوسع المنازل وأجمعها، وأقوى السبل عند الله وأحبها، أمر الله به رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله: (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا)، جعل الله التوكل صفة لأهل الإيمان يتميزون به عمن سواهم (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وَجلتْ قلوبهم وإذا تُلِيت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون)، فالمتوكلون لا سلطان للشيطان عليهم، قال سبحانه: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون). يخرج المسلم متوكلاً على ربه متوجهاً إلى عمله ومهنته، تزدلف قدمه من عتبة بابه وهو يقول: (بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)، فيقول الشيطان لشيطان آخر: (كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ)، حديث أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه. عجز الشيطان عن غوايته، وابتعد عن طريقه وجادته، لأنه توكل على ربه فكفاه، واستهدى بهديه فهداه، استنصره فنصره. وأضاف: "أيها المسلمون، اعلموا أنَّ من أهم ثمار التوكل هو جلب الأرزاق، فالأرزاق بيد الخلاق، فما كان لك منها أتاك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك، ورزق الله لا يَسُوقه إليك حرْص حريصٍ، ولا يرده عنك كراهية كاره. انظرْ يا رعاك الله إلى هذه الدواب من البهائم، مع ضعف كثير منها وعجزها عن السعي في طلب الرزقـ يُسَاق إليها رزقها من حيث لا تدري (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم)، ولو حقَّق الناس التوكل على الله بقلوبهم، لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ، كما يسوق للطير أرزاقَها بمجرد الغُدُوِّ والرَّوَاح، مع أنه سعْي يسير، روى الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصاً وتروح بِطانا)، أي تخرج أول النهار جائعة خالية البطون مع ضعفها وتعود آخر النهار ممتلئة البطون. يقول ابن رجب رحمه الله: (وهذا الحديث أصل في التوكل، وإنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق). إلى الرحمن ترتفع الأيادي ... وليست لغيره نفع العباد وبابُ الرزق بالإيمان يطرق ... إذا أيقنت فأبشرْ بازدياد وثقْ بالربِّ رزاق البرايا كما ... وثقتْ به الطيرُ الغوادي إذا خرجتْ من الأوكار جوعَى ... تعود بطونُها ملأى بزاد سبحان الله القدير، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يجري حادث الا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، (وتوكلْ على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين)، قال إبراهيم الخواص: (ما ينبغي للعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله). أ.س;