×
محافظة المنطقة الشرقية

أمين المدينة : احتفالات العيد تنطلق برعاية سمو أمير المنطقة و(9) مواقع تحتضن الفعاليات

صورة الخبر

لم أكن قد سمعت بكتاب «رأس المال في القرن الواحد والعشرين» عندما وجدته صدفة في مكتبة جامعة هارفرد (الناشر للكتاب) وقد مضى على نشره باللغة الإنجليزية شهر ونصف مترجماً من الفرنسية.. كان واضحاً من المقدمة والفهرس أنه من نوعية فذة نادرة.. قلت هذا لأمينة المكتبة وكأني أكتشف كنزاً مخبأً.. ابتسمت وقالت: «نعرف ذلك، فهو يحتل المرتبة الأولى من الكتب غير الروائية».. وكان المقالان السابقان استعرضا أهم ما جاء فيه، وهنا عرض لأهم استنتاجات ومقترحات المؤلف توماس بيكتي. الاستنتاج العام للدراسة هو أن اقتصاد السوق المبني على الملكية الخاصة، إذا ترك لحاله فهو يتضمن قوى تقارب (بين الطبقة العليا والبقية) خاصة مع انتشار المعرفة والمهارات، لكن أيضاً يتضمن قوى تباعد من المحتمل أن تهدد المجتمعات الديمقراطية وقيم العدالة الاجتماعية، التي تستند إليها بما فيها من قيم الجدارة والمهارة والمنافسة العادلة وتكافؤ الفرص.. القوة الرئيسية المزعزعة للاستقرار هي أن معدل العائد من رأس المال للقطاع الخاص (أرباح الأسهم والفوائد والإيجارات والإيرادات الأخرى) يمكن أن يكون لمدة طويلة أعلى كثيراً من معدل نمو الاقتصاد (الدخل والناتج). هذا يعني أن العائد من الثروة أهم من العائد من العمل؛ ما يؤدي إلى تراكم الثروة الموروثة فتنمو أعلى من الناتج وأجور العمل.. أي تنمو الثروة المورثة أسرع من نمو الاقتصاد.. هذا التفاوت يعبر عن التناقض الأساسي للرأسمالية. ومن هنا فإن رجل الأعمال سيميل حتماً ليصبح ريعياً، ويهيمن أكثر فأكثر على أولئك الذين لا يملكون شيئاً سوى عملهم. وبهذه الطريقة، يستنسخ رأس المال نفسه بشكل أسرع من زيادة الناتج. هنا الماضي يلتهم المستقبل. نحن على طريق الرجعة إلى «الرأسمالية الوراثية».. عواقب توزيع الثروة لمدة طويلة على هذا النحو يمكن أن تكون مرعبة، خاصة أن العائد من رأس المال يتفاوت مباشرة حسب حجم الحصة الأولية، وأن الاختلاف في توزيع الثروة يحدث على الصعيد العالمي. المشكلة ضخمة، ولا يوجد حل سهل. يمكن تشجيع نمو الاقتصاد عبر الاستثمار في التعليم والمعرفة والتكنولوجيا، لكنه يرفع النمو إلى 4-5% بالسنة فقط. هذا المعدل لم تحصل عليه إلا البلدان التي تلحق بركب أكثر الاقتصاديات تقدماً، مثل أوروبا خلال العقود الثلاثة بعد الحرب العالمية الثانية، أو الصين وبعض البلدان الصاعدة اليوم. بالنسبة للبلدان المتقدمة تكنولوجياً فهناك أدلة كافية للاعتقاد أن معدل النمو لن يتجاوز 1-1.5% على المدى الطويل، أياً كانت السياسات الاقتصادية المتبعة. بينما من المرجح أن معدل عائد رأس المال سيبقى 4-5% خلال القرن الواحد والعشرين، كما كان عبر التاريخ حتى عشية الحرب العالمية الأولى. أما في القرن العشرين فقد أدت حربان عالميتان إلى مسح الماضي وخفضت بوضوح العائد من رأس المال، فخلقت وهماً بأن تناقض البنية الأساسية للرأسمالية قد تم حله. فانخفاض التفاوت في الثروة الذي حصل بين 1930 و1975 لم يكن بسبب نجاح النظام الرأسمالي الذي طرحته نظرية كوزنتس (المقدسة لدى الرأسماليين)، بل السبب الأساسي هو ظروف الحربين العالميتين، وكذلك الكساد الكبير وفترة الركود (في الثلاثينيات) التي دمرت أغلب الثروة خاصة المملوكة للطبقة العليا، مما دفع الحكومات للتدخل واتخاذ خطوات حادة لإعادة توزيع الدخل وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أما النمو السريع للاقتصاد بعد ذلك فقد قلل من أهمية الثروة المورثة. لكن الآن قد تهيمن الثروة المورثة على الاقتصاد، وقد يعود العالم إلى «الرأسمالية الوراثية»، إذ تزداد قوة العوائل الغنية مما قد يخلق الأوليغارشية (حكم الأثرياء) كما كانت في القرن الثامن عشر. فعندما ينخفض معدل النمو الاقتصادي على معدل العائد من رأس المال فإن الثروة تميل للتراكم أسرع كثيراً من العمل، وتميل إلى تراكم مزيد من الثروة للطبقة العليا، ويتزايد عدم المساواة. فما الحل؟ قد يتبادر للذهن أن زيادة ضريبة دخل رأس المال قد يخفض عائد رأس المال لأقل من معدل نمو الاقتصاد. ولكن عمل ذلك دون تمييز وبكثافة قد يؤدي إلى قتل محرك التراكم الأولي للثروة ومن ثم مزيد من الخفض لنمو الاقتصاد، لأن رجال الأعمال لن يفسح لهم مجال من الوقت لتكوين مداخيلهم. الحل الأنسب هو الضريبة التصاعدية (زيادة الضريبة بزيادة الثروة)، مما سيجعل من الممكن تجنب الدوامة المستمرة من اللامساواة وفي نفس الوقت الحفاظ على المنافسة والحوافز للحالات الجديدة من التراكم الأولي للثروة. المشكلة في هذا الحل هي أن الضريبة التصاعدية على رأس المال تتطلب تعاوناً دولياً على مستوى عالٍ، واندماجاً سياسياً إقليمياً، فهي ليست في متناول الدول الوطنية. كثير من الناس يشعرون بالقلق من الاتجاه نحو مزيد من التعاون والاندماج السياسي الإقليمي، مثلاً، الاتحاد الأوروبي، لأنه يهدد الإنجازات القائمة (خاصة الحماية الاجتماعية) دون بناء أي شيء جديد سوى سوق ضخمة مبنية على المنافسة، وأنه لا يمكن تغير معادلة عائد رأس المال أكبر من النمو الاقتصادي، فهي ليست نتيجة لأي نقص في السوق بل سمة من سمات الرأسمالية. ولكن على الرغم من أنها مجازفة، فلا يبدو لي -يقول المؤلف - أي بديل حقيقي: إذا أردنا استعادة السيطرة على الرأسمالية، يجب علينا المراهنة بكل شيء على الديمقراطية. المجتمعات السياسية الكبيرة مثل الولايات المتحدة والصين لديها مجموعة واسعة من الخيارات، ولكن الدول الصغيرة كدول أوروبا ستبدو قريباً ضئيلة بالنسبة للاقتصاد العالمي، فالانسحاب إلى مستوى الدولة الوطنية سيقود إلى إحباط أسوأ من الوضع الحالي في الاتحاد الأوروبي. صحيح أن الدولة الوطنية لا تزال المستوى المناسب لتحديث السياسات الاجتماعية والمالية وتطوير أشكال جديدة من الحكم والمُلكية المشتركة الوسيطة بين الملكية العامة والخاصة، التي ستكون أحد أكبر التحديات لهذا القرن. إنما الاندماج السياسي الإقليمي وحده يمكن أن يقود إلى كبح جماح الرأسمالية الوراثية المعولمة للقرن الواحد والعشرين. كتب البروفيسور بول كروجمان الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، مقالاً عن الكتاب ختمه قائلاً: «إنه كتاب مهم للغاية من جميع الجهات. لقد حول بيكتي الخطاب الاقتصادي لدينا؛ نحن لن نتحدث عن الثروة وعدم المساواة بنفس الطريقة التي اعتدنا عليها.».. آراء وتحليل خبراء الاقتصاد للكتاب سيكون للمقال القادم..