كتبت في مقالين سابقين أهمية تغير دور وزارة الصحة بما يتناسب والحاجات والمتطلبات، وفي هذا المقال أضع التصور الذي يمكن للوزارة تبنيه كخطوة حضارية قد تفيد البلاد والعباد وفق الاقتراح التالي : ــ أن تتولى الوزارة كامل العملية الإدارية في تقديم الرعاية الصحية من المستوى الأول باعتبارها الخدمة الجوهرية في أي نظام متوازن للرعاية الصحية. ــ أن تقوم الوزارة بإسناد تشغيل وإدارة المرافق الصحية التابعة للوزارة عن «المستوى الثاني والثالث» الى القطاع الخاص وأن يصبح دور الوزارة هنا اقرار وتوصيف واستحداث نظام التشغيل وتقديم الخدمة وفق الجودة والنوعية المقررة وانشاء المعايير الدقيقة للأداء كإطار عام للرعاية المطلوبة. ــ أن تنشأ مؤسسة حكومية كهيئة مستقلة لها أنظمتها ولوائحها ومجلس إدارتها المستقل «كمؤسسة عامة للمستشفيات»، تسند لهذه الهيئة عملية الاشراف على تنفيذ عقود التشغيل وتطوير هذا النظام في تحقيق الفلسفة العلاجية الوطنية العامة وتطوير أسلوب الإشراف على هذه المرافق، هذا النظام سيساهم بلا شك في شحن الشركات المهتمة بتشغيل إدارة المستشفيات لتقديم الأفضل للبقاء وكذلك خفض التكاليف وتحقيق الكفاءة العالية في الأداء.. ولا أدعي هنا أن نظام تشغيل المستشفيات الحكومية عن طريق القطاعات التشغيلية الخاصة أنه سيكون نظاما خاليا من العيوب.. إلا أن توفير معايير دقيقة لتأهيل الشركات التي ستقدم هذه الخدمة واختيار النظام الإشرافي المناسب والتأكد من دقة التطبيق واستبعاد الشركات التي لا تتوفر لديها الخبرة والتخصص فبعض هذه الشركات هي جل معوقات ومشاكل هذا النظام، هذه العوامل ستساهم الى حد كبير في إنجاح هذا النظام، ولا شك أن اختيار «المؤسسة العامة للمستشفيات» للمشرفين المؤهلين للإشراف على تنفيذ المواصفات الدقيقة الموضوعة من قبل جهة الاختصاص سيعطي فرصة أفضل للسيطرة على جودة واداء مستوى الرعاية وطريقة الاداء العلاجية من جهة ومن جهة أخرى تتحرر المستشفيات من الاجراءات البيروقراطية اليومية والإدارية والمالية وتأخذ الطابع التحريري الديناميكي في حل هذه المشاكل لتحقيق أهدافها.. ويظل الاشراف على الجودة والنوعية تحت قبضة الجهة المسؤولة للحد من أي تجاوز في هذا الشأن. ــ اقرار نظام التأمين الطبي الوطني ليشمل الموظف بالقطاع الحكومي والأفراد وتعميمه، ففي كل المجتمعات تساهم شركات التأمين سواء كان ذلك بالأشكال التقليدية أو بصفة التعاونية التأمينية أو بصناديق التعاضد في تغطية الأفراد العاملين والموظفين والمقيمين صحيا، هذا وقد اتجهت المملكة العربية السعودية الى هذا المنحنى بحكم نضوج تجربتها الاقتصادية فخاضت الشركات التعاونية العاملة فيها غمار التجربة وطورتها وأصبح لدينا شركات متخصصة يمكن الاعتماد عليها.. لا شك أن التوسع في نظام التأمين ليشمل الموظف وعائلته وذلك باستقطاع مبلغ تأمين من راتبه ليغطي تكاليفه التأمينية وأسرته بعد إضافة ذلك كعلاوة للمرتب ودفعها مباشرة لشركات تأمينية تمكنه من التمتع بمزايا التأمين كاملة وهذه العلاوات ستكون من خلال ما سيتم توفيره من ميزانية وزارة الصحة لقاء تخليها عن دورها في تقديم الرعاية وانشاء المستشفيات وتوفير العلاج المباشر للفرد. إن هذه الخطوة ستساهم في خفض قيمة العملية العلاجية وسد جزء كبير من تكاليف تشغيل وإدارة هذه المستشفيات وتحقيق مستوى ربحي مناسب يعين المستشفيات على تحقيق برامجها التطويرية المستقبلية وسيفتح الباب على مصرعيه أيضا أمام القطاع الخاص ليساهم في هذه المنافسة المتكافئة والشريفة في تحقيق هذه العملية بنفس الجودة وأقل التكاليف، وهو أسلوب غير مباشر لتحقيق الجودة العالية وفرضها على المستشفيات الخاصة وجعلها تقوم بمراجعة لائحة أسعارها الباهظة لتصبح أسعارا منافسة ومعقولة لواقع السوق الصحي، ومقدرة الفرد الاقتصادية أما موظف القطاع الخاص فلا يمنح صاحب المؤسسة أو الشركة أو المصلحة تأشيرة العمل الخاصة بهذا الموظف ما لم يقم بدفع الاشتراك التأميني وبهذا نكون قد ساهمنا في تطبيق نظام العمل والعمال في ما يخص رعاية الموظف صحيا.. أما شريحة الضمان الاجتماعي والمتقاعدين فإن الدولة ستكمل ما بدأته تجاه هذه الفئة من مساهمة كريمة وأيد بيضاء وهو دفع الاشتراك الخاص بهم.. حيث إنها تتكفل برعايتهم الآن عبر مستشفيات وزارة الصحة لا شك أن هذه الخطوة ستدفع بالمستشفيات الخاصة الى رفع مستوى التجهيز لديها وكذلك التعاقد مع العمالة المؤهلة العالية الكفاءة لمقابلة احتياجات شركات التأمين وضمان تواجدها في السوق الصحي كعضو منافس وبهذا المفهوم الدولي ستتفرغ وزارة الصحة لأهم ما في رسالتها الانسانية الراقية التي أدتها وتؤديها بأمانة وصدق.. وهو الاشراف والتأكد من كفاءة جودة الرعاية المقدمة بأقل الوسائل تكلفة ووزارة الصحة لديها الموارد والأفراد الأكفاء والقيادة الواعية الحكيمة الحريصة على أن ينال كل مواطن حقه من الرعاية وأن يعيش كل منا في جو صحي آمن ولا ينقصها سوى النقد الهادف الأمين كوسيلة حضارية للتقييم والتقويم !!