في هذا اليوم الأغر الأبلج، تهل بشارة البيعة بذكراها السنوية السنية.. يوم نقف فيه لنتفقد كلنا مواقعنا في هذا الوطن المعطاء، نراجع فيه ما قدمنا من واجب، وأوفينا من دين والتزام تجاه ربنا ووطنا ومليكنا.. يوم نرفع فيه الصوت بالحمد لله على ما أنعم علينا بقيادة عرفت كيف توطن الأمن واقعا، والرفاهية حقيقة ملموسة، كان ذلك هدفها ومبتغاها منذ أن نهض القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بأعظم وأخطر مهمة في تاريخ الإنسانية الحديث، ليلم شعث هذه الأرض، ويوحدها تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول»، فما أعظمها من راية، وما أنبله من فعل.. وعلى ذات السيرة من العطاء المبذول بلا منّ أو أذى، توالت الحقب على قادة هذا الوطن، ليضع كل واحد منهم لبنة عصية على النسيان، وبناء لا يطاله البلى أو الوهن، لتمضي المملكة في مسيرتها مكللة بالظفر، محفوفة بالنجاح، تتجاوز المحن الدواهي بالحكمة النافذة البصيرة، وتكتب سطور السلام المنشود في الكون اليوم فعلاً لا قولاً، فكانت موئل السلام، ومثابة الأمن. هكذا مضت المسيرة، لتشرق علينا الحياة بعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أعزه الله وأيده- عهد ليس كسابقه من العهود، فالمتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم، وزلزت كيانات كان الناس يصفونها بالثبات والمتانة، فإذا هي متضعضة ومنهارة، ولم يثبت أمام هذا الطوفان الجارف إلا من ملك أسباب القوّة، وإنها ليست بقوّة سلاح، ولا قوة جبروت، وإنما قوّة الإرادة، وقوّة الحكمة وبعد النظر في الإدارة وإسلاس القياد، فكانت المملكة حاضرة في هذا المناخ المضطرب، ليس حضور من يتقي ويتحاشى ويحمد السلامة، بل حضور من يرتب هذه الفوضى التي ضربت العالم، فكان لها قدم السبق في أن يتجاوز العالم كله محنة الإرهاب التي صبغت الدنيا بالقتامة والسواد، وكانت المملكة حاضرة تواسي أقطار العالم أجمع في كل مصاب يلمّ بها سواء أكانت الكارثة طبيعية أو من صنيع المنحرفين في هذه الدنيا، كل ذلك وغيره من إسهامات المملكة في المحيط العالمي جعل من الصعب على الدول الكبرى اليوم أن تتجاوزها أو أن تتخطى دورها، ومن أراد أن يعرف مكانة المملكة اليوم في عهد الملك عبدالله – حفظه الله – عليه أن يقرأ ذلك في مرآة ما يصرّح به رؤساء الدول المؤثرة في سياسة العالم، وعندها سيعرف تمام المعرفة ويوقن أن المملكة أصبحت «رقما صعبا» في المعادلة العالمية.. ويحمد لقيادة هذه البلاد ممثلة في الملك عبدالله – حفظه الله – أنها أدركت أنه لم يعد بالإمكان الانكفاء على الذات، والاهتمام بالشؤون الداخلية، فإن الاهتمام بالشؤون العالمية أصبح المفتاح لنماء وتطور شؤون الأوطان الداخلية، لذا وجب أن يكون الترتيب من الخارج متساوقا مع التطور والنماء والداخلي، وهو عين ما فطنت إليه وقامت به قيادتنا الرشيدة، فكان جهدها في ترتيب الشؤون الخارجية، ومعالجة القضايا الإقليمية والعالمية ماضيا على السنة التي عرفت بها، والأسس التي قامت عليها المملكة منذ تأسيسها، احترام متبادل، ومنفعة مشتركة، وبسط لسطان الأمن والاستقرار، فإن شذ عن ذلك مارق، فلابد أن يعاد إلى الجادة.. أما على المستوى الداخلي فما زالت المملكة تشهد نموا مضطردا، ومشاريع حيوية تؤسس للبنى التحتية القادرة على صنع اقتصاد مؤثر على المستويين الداخلي والخارجي، متجاوزة في خطتها حيز الاعتماد والاستهلاك السالب إلى التصنيع والمساهمة في المعادلة الاقتصادية العالمية، مما انعكس أثره واضحا وجليا في حياة الناس اليومية، برغم ما اعترى العالم كله من متغيرات اقتصادية خطيرة. نعم. اليوم يوم الوطن، يوم نجدد فيه البيعة لا على قاعدة العادة والواجب، بل بسلطان المحبة والإيلاف، بيعة نبذلها لأبي متعب من قلوب ملؤها الحب والتقدير، بيعة لرجل قدم الوطن على صحته، وسهر على راحة المواطنين خصما على راحته، فما جزاء ذلك إلا أن ينبض كل قلب بمحبته، وترفع كل أيادي الوطن اليوم إعلانًا لبيعة الحق والواجب والمحبة. نرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير كشعب آمن بهذه القيادة وبادلها حباً بحب أن يحفظ أبو متعب ليكمل معنا مشوار التنمية والبناء والخير وترسيخ استراتيجيات التنمية الشاملة المتوازنة والمستدامة التي منحها للمدينة والقرية والسهل والجبل، ولولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولكافة أفراد الأسرة المالكة والشعب السعودي النبيل. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.