×
محافظة المنطقة الشرقية

توحيد «عقود الإيجار» خطوة نحو إنهاء الفوضى

صورة الخبر

ترتدي الساري ذا اللون الوردي الزاهي، وهو زي المدرسة التقليدي، وتحمل حقيبتها المدرسية المعبأة بلوح الكتابة والطباشير والكتب المدرسية المختلفة، إنها سيتاباي ديشموخ، البالغة من العمر 87 عاماً، وهي إحدى أكبر الطالبات سناً في أول مدرسة هندية مخصصة للجدات. مدرسة «آجيبايشي شآلا»، التي يعني اسمها حرفياً باللغة المهاراتية «منزل الترحيب بالجدات الكبيرات»، تحضر فيها للدراسة 34 جدة هندية يثبتن مقولة إن العمر ليس إلا مجرد رقم. ومثل المدارس الأخرى، فإن هذه المدرسة قد وضعت حداً معيناً للعمر. وللتسجيل في هذه المدرسة، لا بد أن تكون المتقدمة قد بلغت 60 عاماً من عمرها على الأقل. وأكثر «الطالبات» ضعيفات البنية، وبعضهن يعانين من ضعف الإبصار، والأخريات لديهن مشكلات في السمع، والكثيرات منهن لا بد أن يصحبهن مرافق من بيوتهن إلى المدرسة. على مسافة 120 كيلومتراً من المركز المالي الصاخب في مدينة مومباي، توجد المدرسة الجديدة للجدات، في قرية فانغين، في مقاطعة ثين، في ولاية ماهارترا الغربية. وكثير من هؤلاء السيدات لم يسبق لهن الالتحاق بالمدارس من قبل، ويساعدهن أحفادهن في تأدية الفروض المنزلية اليومية، ويأتون أيضاً لاصطحابهن من المدرسة كل يوم. تم إنشاء مدرسة الجدات النموذجية على أيدي يوغندر بانغار، وهو مدرس في المدرسة الابتدائية في القرية، وذلك بمساعدة من ديليب دالال، مؤسس صندوق موتيرام دالال الخيري. ولكنها لم يكن مهمة سهلة إقناع هؤلاء السيدات بالمشاركة في المدرسة الجديدة. في أول الأمر، ضحكن على أنفسهن لعدم مقدرتهن على القراءة على الإطلاق، ولكن الآن تعلمن كيفية القراءة والكتابة. فقد تمكنت انسويا ديشموخ، 68 عاماً، أخيراً من تحقيق حلمها بكتابة اسمها بنفسها؛ الاسم الذي تحمله طوال حياتها، ولكن لم يكن بوسعها كتابته بسبب أنها لم تذهب إلى أي مدرسة من قبل، وهي تقول عن ذلك: «كنت أمية طيلة حياتي؛ كان الأمر يبدو أنني نصف إنسانة، والآن أستطيع كتابة اسمي، ولن ألقى ربي وأنا أمية، فعندما أقابل الرب، سوف أكون قادرة على الأقل على التوقيع باسمي». تنتظم مواعيد الدروس في المدرسة، بحيث تتمكن السيدات من الانتهاء من أعمالهن المنزلية، أو عملهن في الحقول، قبل الحضور إلى المدرسة. وتستخدم المدرسة الوسائل التعليمية المساعدة، مثل الأبجدية المكتوبة على الألواح، التي يمكن للطالبات ضعيفات الإبصار قراءتها بسهولة. وكثير من تلك الوسائل التعليمية هي من صناعة الطالبات أنفسهن. وتبدأ الجدات الدروس اليومية بأداء الصلوات لإله المعرفة في عقائدهن، تلك التي تتلوها راماباي غانبات خانداغل، التي تبلغ من العمر 87 عاماً، وهي تعاني من مشكلات في السمع، ولكنها تملك صوتاً قوياً، ولذلك هي التي تتلو الصلوات اليومية. وتبدأ الدروس اليومية بعد التجمع لمدة 10 دقائق. ومع الألواح السوداء في الأيدي، تتمرن الطالبات على كتابة أبجديات اللغة المهاراتية، وتلاوتها بصوت مرتفع، كما يتعلمن مبادئ الرياضيات والحروف الهجائية وأغاني الأطفال في المدارس. ولقد انتقلت المعلمة الوحيدة في المدرسة، وهي الطالبة الجامعية شيتال موري (25 عاماً)، بالطالبات إلى تعلم الأرقام والكتابة والتوقيع بأسمائهن. وكانت شيتال موري تستشعر الحرج في بادئ الأمر للتدريس إلى كبيرات السن من الجدات في القرية، وكلهن يبلغن ضعف عمرها أو أكبر، وهي تقول عن ذلك: «كان أول يوم صعباً للغاية، ولكنني أدركت أنهن كمثل الأطفال في الفصل. كان بإمكاني الصياح في وجوههن ولا يبدو عليهن الاعتراض. والآن، بدلاً من البصم بأصابع اليد، أصبحت هؤلاء النساء يستخدمن التوقيعات». وبما أن كثيراً من السيدات اللاتي يحضرن إلى المدرسة هن من الأرامل في أغلب الأمر، فإنهن قد أعطين ملابس المدرسة الملونة الزاهية. لماذا زي المدرسة من اللون الوردي الزاهي؟ يقول يوغندر، مؤسس المدرسة: «محظور على الأرامل في الهند ارتداء الألوان الزاهية، فلا يرتدين إلا اللون الأبيض فقط للتعبير عن حزنهن المستمر لفراق الزوج، وعدم المقدرة على الاستمتاع بالحياة، وهذا هو السبب في اختيار اللون الوردي عن قصد، من أجل التحرر من هذه المحرمات العتيقة». لكل منهن قصة خاصة ترويها. عندما كن صغار السن، كن لا يغادرن المنازل، أو يعملن، في حين يحصل الأشقاء الذكور على نصيبهم من التعليم. وكن يتزوجن في سن صغيرة، ثم يعملن على تربية وتنشئة الأطفال، ويراعين الأعمال المنزلية. تقول جاناباي داجيكيدار، (75 عاماً)، التي تشعر بالفخر بأحد إنجازات حياتها، حيث تمكنت من التوقيع على استمارات البنك، بدلاً من البصمة بأصبع كما كانت تفعل: «ذهب أشقائي إلى المدرسة، ولكنني حُرمت من هذه الفرصة، ولقد صفق لي موظفو البنك بابتهاج عندما تمكنت من التوقيع باسمي للمرة الأولى في البنك، أريد أن أقابل الرب بإنجازي هذا: توقيعي الخاص». تقول السيدة كانتاباي بكل ابتهاج: «عندما أعود إلى منزلي، يقول لي أحفادي: يا جدة، هذه هي الطريقة التي تقرئين أو تكتبين بها هذه الكلمات؛ إنهم يعلمونني كل شيء، وهم يجلسون ويستذكرون دروسهم معي؛ إنها متعة كبيرة؛ إننا نقرأ دروس بعضنا بعضاً، ونقرأ الأشعار بصوت مرتفع، ونكتب الدروس معاً؛ إننا نشعر بسعادة بالغة لأننا نقرأ ونكتب في هذه السن». إنها قصة مماثلة مع معظم السيدات المسنات في هذه القرية، فأغلبهن لم يذهبن إلى المدرسة من قبل، وتزوجن في سن صغيرة. وقد سنت الهند قانون الحق في التعليم عام 2009، وهو من القوانين البارزة التي تمنح الأطفال الفقراء وغيرهم من أصحاب الخلفيات الاجتماعية المحرومة الحق في التعليم المجاني والإلزامي حتى سن 14 عاماً. ولقد جعل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تعليم الفتيات على رأس أولوياته، وأطلق حملة للرعاية الاجتماعية في عام 2015، تحت عنوان: «إنقاذ وتثقيف الأطفال الإناث». تقول الطالبة البارزة نيرمالا بابان كيدار، 66 عاماً، في سعادة بالغة: «عندما كنت صغيرة، لم يُسمح لي بالذهاب إلى المدرسة. وبعد الزواج، عشت في هذه القرية. وبعد سنوات طويلة، بدأت الآن في التعلم». كانت تظهر توقيعها بكل فخر. وبالنسبة لعمر السيدة نيرمالا، لم يكن التعلم سهلاً على الإطلاق. وهي تقول عن ذلك: «استغرق وقتاً طويلاً للفهم، ولكنني أتعلم ببطء، وأشعر بسعادة لذلك»، ويقول زوجها بابان: «تستخدم الألواح ولوحات الطين الكبيرة في التعليم، وهي تنتهي من أعمالها المنزلية بحلول الظهيرة، ثم تنطلق إلى المدرسة للتعليم». تقول السيدة راماباي: «أشعر أنني مثل الفاكهة الناضجة التي تسقط من فرع الشجرة في أي لحظة؛ لم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة في صغري، وبقيت أمية طيلة حياتي، ولكنني لا أريد أن أظل أمية، الآن أشعر بالسعادة لأنني أستطيع قراءة وكتابة بضع كلمات بسيطة، وحملها معي إلى العالم الآخر». أما السيدة شيتالباي، 90 عاماً، فكانت تحاول كتابة حرف «ألف» الهجائي منذ سنة تقريباً، ولا تزال يداها ترتعشان، ولا تزال تنسى شكل الحرف الهجائي بعد ساعات قليلة من انتهاء الفصل الدراسي، ولكنها لا تستلم أبداً، وتقول عن ذلك وهي تبتسم: «أحب التعلم، وكل ما سوف أتعلمه سوف آخذه معي إلى ربي». كثير منهن يقلن إنهن اكتسبن المزيد من الثقة من خلال حضور الفصول الدراسية، وكانت تلك هي التجربة التي يتطلعون إليها، لا سيما المقدرة على الترابط مع النساء الأخريات في المدرسة. وتقول إنوسويا سافلارام، 69 عاماً: «منذ بدأت المدرسة في العمل هنا، كنا في سعادة حقيقية؛ نأتي ونجلس معاً مع بعضنا بعضاً، ونسعد بالمكان والصحبة هنا». ويقول ديليب دالال، صاحب المؤسسة الخيرية: «أشعر بالفخر عند رؤية الجدات الطيبات كطالبات في المدرسة. أنا لا أقبل التبرعات من أحد؛ الأمر لا يكلفني كثيراً، وأشعر أن هذه المدرسة طفلاً من أطفالي، وينبغي عليّ راعيتها والاهتمام بها». أصبحت هذه المدرسة مركزاً للتفاعل الاجتماعي، وتعزيز الصداقة، بين مختلف النساء. كما أنها تقيم يوماً رياضياً في الآونة الأخيرة، حيث تلعب الجدات لعبة الاختباء (الغميضة)، ويشاركن في بعض الرقصات الشعبية التقليدية، ويلعبن لعبة العلامة الخفيفة غير الشاقة عليهن. وهناك شجرة مزروعة لكل جدة من الجدات الطالبات في الحديقة المحيطة بالمدرسة. ونجد كانتاباي موري (65 عاماً) وهي تحمل لوحة سوف تضعها بالقرب من شتلات الكاكاو التي تزرعها بالقرب من المدرسة. وكل طالبة مسؤولة عن الشجرة التي تخصها. ومثل الطالبات الأخريات، فإن هؤلاء الجدات يتطلعن أيضاً إلى النزهات الخارجية معاً. ولقد شوهدن وهن يتحدثن مع ديليب دالال حول الخروج في إحدى الرحلات، قبل أن يتراجعن عنها بسبب حرارة شمس الصيف الشديدة عليهن.