داخل «فتارين» المحال وأمامها تجدها مصطفة بجانب بعضها بشكل منمق، وأحياناً أخرى بشكل عشوائى، أجساد تقف بلا أرواح، تشاهد العالم حولها فى صمت، يمُر من أمامها المارة يوميا دون اكتراث بها، ولكن قاصدين المعروض عليها، بينما يقف أمامها مصطفى متأملاً فى تفاصيلها، ليخرج بعدها بألبوم يحمل مئات الصور من المانيكانات فى أماكن مختلفة بمصر. بدأ مصطفى عبدالعاطى، 28 عاماً، مصور، وخريج هندسة عمارة، فى تصوير المانيكانات منذ 3 سنوات تقريباً، ولم يكن مخططاً لمشروعه قبل البدء فيه، بل جاءت له الفكرة بالصدفة أثناء سيره الدائم فى شوارع مصر، ليجد أن أكثر ما تحب أن تذهب عينه إليه هو المانيكانات وأشكالها وحياتها، كما وصف، ويقول: «بقالى كام سنة بحب أوثق أشكال المانيكانات المختلفة من خلال الصور، والناس هنا فى مصر بيتفننوا فيها فعلاً، وفى حاجات بتحس إنها مريبة خاصة المانيكانات بتاعة البنات». «بعيش جواهم وبألّف قصص فى خيالى»، المانيكانات ترى وتسمع وتتكلم عند مصطفى، بل تأكل وتشرب أيضاً ولها حياة أخرى مختبئة وراء وقفتها الصامتة خلف الفتارين، هكذا يتخيل عند مشاهدته أى مانيكان، فلم يره بعين المار الطبيعى من أمامه، بل يرى أنه عالم غامض يريد الخوض فيه: «كنت بفكر فى تطوير مشروع المانيكانات، وتبقى قصة مصورة زى ما بتخيله، لأنى بشوفه عالم مريب وحقيقى، كائنات حية بتشتغل وتقف فى الفاترينة لغاية بليل يخلص ويقفل.. وبعدها يروحوا وفى الويك إند يخرجوا، لكن تطبيق الموضوع صعب ومُكلف». القاهرة، بورسعيد، والغردقة، تلك هى المحطات التى مر مصطفى عليها وجمع منها نحو ٣٠٠ صورة، بين أماكن شعبية، وأخرى راقية ترجل فيها مصطفى ليرى أشكالا مختلفة من المانيكانات وتفنن فى تصنيفها وتقسيمها لطبقات، يكون فيه كل قسم تابعا للمنطقة المعروض فيها ذلك المانيكان: «جودة المانيكان طبعا بتختلف، فى الأماكن الشعبية بتبقى مبهدلة شوية وساعات راسها منفصلة عن جسمها، وفى المنطقة الراقية، بيبقى مانيكان تحسه ابن الناس، وفى المولات كإنه من الطبقة الأرستقراطية». وفى أحيان أخرى كان يُحلل مصطفى شخصية صاحب المحل من المانيكان الموجود فى الخارج: «فى وسط البلد محل كل ما أعدى من قدامه ألاقى عارض مانيكان ضهرها للناس وملبسها من فوق فقط، ومش فاهم هو عامل كده ليه، وفى محل تانى شايل رأس كل المانيكانات، وفى الغردقة واحد جايب مانيكانات وشها ممسوح وملبسها عبايات وراسم هو العين والمناخير بشكل غريب، ومحل عارض نصها فساتين حريمى قصيرة، والنص التانى عبايات، ومحل تانى حاطط وش قرد على جسم بنى آدم، ده غير طبعا الوقفات الغريبة اللى ساعات بيبقوا قاصدين بيها حاجة». «اختلاف ثقافات الشعوب عبر المانيكانات»، هو حلم مصطفى بأن يوسع مشروعه، ويزور مناطق أكثر فى مصر، ثم بلاد حول العالم ليوثق بكاميرته مناظر وأشكال المانيكانات المختلفة من بلد لبلد، ويعرض الفرق بينها: «عاوز ألفّ العالم وأنفذ مشروعى ده، ومتحمس جدا له، وعاوز أوضح من خلاله اختلاف الثقافات فى عرض المانيكانات من خلالها لكن الموضوع صعب شوية عشان الفلوس والتخطيط».