نبّه فضيلة الداعية محمد يحيى طاهر إلى خطورة الغضب على الفرد والمجتمع، داعياً إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلّم في علاجه. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الأخوين سحيم وناصر أبناء الشيخ حمد بن عبدالله بن جاسم آل ثاني رحمهم الله إلى جانب من صور هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الغضب ومنها الاستعاذة بالله قلباً ولساناً، لافتاً إلى ما روى سليمان بن سُرَّد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستَبَّان، فاحمر وجه أحدهما وانتفخت أوداجه، فقال عليه الصلاة والسلام: "إني لأعلم كلمةً لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". الاستعاذة من الشيطان وأضاف الداعية محمد يحيى طاهر: إذا شعرت بالغضب، واحمرّت وجنتاك، وانتفخت أوداجُك، وشعرت أن النار تسري في عروقك، وشعرت بالغليان في صدرك، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لأن الغضب نزْغةٌ من نزغات الشيطان. مستشهداً بقوله تعالى: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" وأوضح أنه لا يكفي أن يستعيذ الإنسان بلسان، بل يجب أن يجمع بين استعاذة اللسان وخشوع القلب، فإن الله تبارك وتعالى سميعٌ لاستعاذة اللسان، عليمٌ بخشوع القلب، مؤكداً أنه يجب أن يستعيذ العبد بالله من الشيطان الرجيم، وأن يكون قلبُه حاضراً مع الله، وأن يكون قلبه مُنيباً إليه. ولفت الخطيب إلى الوسيلة الثانية لعلاج الغضب كما جاء في هديه عليه الصلاة والسلام وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ" آثار كلمات الغضب وبيّن الداعية محمد يحيى طاهر أن أي كلمةٍ يتفوّه بها الإنسان الغاضب ربما أدَّت إلى مضاعفات خطيرة، فإذا تكلَّم ربما طلَّق زوجته أو فُصل مع عمله وسب إنساناً أو أوقع الأذى بآخرين فكالوا له الصاع صاعين. وقال: إن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً في علاج الغطب الابتعاد عن مكان وموضوع الغضب واللجوء إلى الوضوء، مشيراً إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً "إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضَّطجع". وفد قيس وروى الخطيب قصة دخول وفد قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى أنه لمّا أقبل الوفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا مشتاقين إلى لقائه، فأقبلوا إليه -عليه الصلاة والسلام-، أقبلوا وهم عليهم عثاء السفر، وأثر الطريق مما يتعلق بملابسهم ورائحتهم، لكنهم أقبلوا عليه، عليه الصلاة والسلام، أما أحدهم فإنه تريث حتى أناخ الإبل وعقلها واغتسل وتطيّب، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلمّا رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه طيب الرائحة، حسن الثياب، قد اعتنى بركائب قومه، قال له عليه الصلاة والسلام: "يا أشج عبد قيس"، وكان فيه شجة ظاهرة، قال: "يا أشج عبد قيس، إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله"، ما هما؟ قال: "الحلم والأناة". الحلم يعني عدم الغضب، وعدم الإقبال على الناس بضررهم، والأناة تعني التأني في جميع أموره. وسرد الخطيب قصة أخرى للتدليل على خطورة الغضب وأهمية السيطرة عليه موضحاً أنه أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يجر رجلاً آخر بنسعة، يعني قد ربطه بحبل من جلد فهو يجره إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: يا رسول الله، انظر هذا، قد قتل أخي. فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الرجل المربوط وقال له: "أحقاً قد قتلته؟". قال: نعم يا رسول الله قد قتله، قال: "ما حمَلَكَ على ذلك؟" فقال الرجل: يا رسول الله، كنا نحتطب، يعني نحتطب الشجرة، قال: فسبني، فأغضبني، فأخذت الفأس فضربت به على قرنه حتى قتلته يا رسول الله. أبو مسعود البدري وقال الداعية محمد يحيى طاهر: مَرَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري بأبي مسعود البدري - رضي تعالى عنه -، قال أبو مسعود: "كنت أضرب غلاماً لي، أخذ الصوت وضرب، فبينما هو يضربه وهو قد ارتفع عليه الغضب حتى يكاد لا يعرِف من حوله، وإذا بصوت ورائي يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"، قال فلم ألتفت إليه من شدة الغضب، من شدة غضبه وهو يضرب الغلام، لم يلتفت إلى من يحدّثه، ويقول: "اعلم أبا مسعود"، قال: فالتفتُّ فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام"، يعني أن غضبت فضربت هذا الغلام المسكين الذي لا يستطيع أن ينتصر لنفسه، الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قال فقلت: يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله.