×
محافظة مكة المكرمة

شرطة البيئة وطفح المجاري على طاولة رئيس“الأرصاد” الجديد

صورة الخبر

الرياض: فتح الرحمن يوسف في السعودية هناك طفرة تأليف شبابية، إذ تشكل نسبة الأسماء الجديدة من الشباب خصوصا، من بين المؤلفين ما بين 30 إلى 40%. في وقت وصلت فيه عدد الإصدارات الروائية أكثر من 900 رواية، أما المجموعات القصصية فقد زادت عن 1000 قصة، وبلغ عدد المجموعات الشعرية ما يزيد على 3000 ديوان. لا يجادل أحد في أن حركة التأليف والنشر دليل حيوي على قوة الإنتاج الفكري للمجتمعات. لكّن نقاد وأدباء وناشرين حذروا من أن غياب المؤسسات الأدبية المُحكِمَة، مع وجود دور نشر تبحث عن ربح سريع، أفرز عددا من الإصدارات ضعيفة المستوى وخالية من القيمة الأدبية. وهناك تقديرات تشير إلى أن دور النشر المحلية تعتمد في 60% من نشرها على الناتج الشبابي. وأمام سهولة إنتاج مؤَلَف أو طباعة كتاب يحتوي على نسبة فائضة من المشاعر والخواطر تحت عنوان «شعر»، أو يوميات تحت عنوان «قصة»، أو تجارب كتابية تحت «رواية»، يسطرها في الغالب شباب وفتيات تغريهم عمليات النشر السريع، أصبح الحديث عن «فتنة» الإصدار الأول أمرا واقعا. من ناحية أخرى، من يزور معارض الكتب، وخاصة معرض الرياض، يلحظ أن هذه الإصدارات الشبابية وأغلبها تدور حول السرد القصصي والروائي، رغم بساطتها تسجل حضورا كبيرا كما تسجل مبيعات عالية، وغالبا ما تزدحم أجنحة دور النشر بعشرات المتبضعين وخاصة من الفتيات اللواتي تستهويهن هذه التجارب الإبداعية. هناك من يحمل دور النشر مسؤولية انخفاض الذائقة الأدبية عبر هذا العدد الكبير من الإصدارات الضعيفة، لكن هذه الدور تلقي اللوم على المؤسسات الثقافية التي يتعين عليها احتضان التجارب الشبابية واستيعاب هذا الحماس وتطوير موهبته. * النعمي: تسعير الثقافة الناقد الدكتور حسن النعمي يرى أن تنامي حركة النشر يحمل أهدافا تجارية بحتة، وعليه فهي تقيم دخلها بناء على رواج الكتاب، وهي بذلك تتلمس قابلية التداول. وبما أن إنتاج الشباب وخاصة الإنتاج الروائي له جاذبية لدى المتلقي، فقد أولت دور النشر للطباعة والدعاية والتسويق لهذا النوع من المؤلفات عناية لافتة. يقول النعمي: «في سياق هذا الاهتمام لا تدقق دور النشر في المستوى الفني، بل يهمها العائد الربحي، وليست هناك إمكانية لتغيير هذا السلوك التجاري طالما هناك إقبال من الكتاب ومن القراء على هذه المنشورات. وفي رأيي فإن أي تدخل في هذا الأمر سيحيله إلى بيروقراطية مقيتة. وفي تصوري أن القارئ هو من يحكم على هذه الأعمال بالجودة أو الرداءة، والكاتب الذي لا يجد قابلية لأعماله سيتوقف، ودار النشر ذاتها لن تغامر بنشر أعمال لا تلقى رواجا يحقق لها الربح. ومن ناحيتي، لاحظت انحسارا في الإقبال على النشر، لأن من كتبوا اصطدموا بضعف تلقى أعمالهم والإشارة إليها من قبل النقاد». لكنّ، كيف يقيم الناقد الدكتور حسن النعمي هذه الأعمال؟ يقول: «لقدّ مرّ الإنتاج الروائي بعد عام 2000 بمرحلتين: طفرة وتراجع. أما الطفرة فكانت في الإنتاج الروائي، وذلك نتيجة عدة عوامل منها تركيز الإعلام على المنشور من الروايات، واتساع هامش التعبير، وسهولة النشر الخارجي، وظهور أسماء روائية تركت بصمة حظيت بالنقد والمتابعة، فأغرت الكتاب الأصغر سنا والأحدث تجربة ليغامروا بكتابة الرواية». أما مرحلة التراجع، فيعتبر النعمي أنها حصلت منذ 2010 تقريبا، حيث تراجع المنشور كما تراجع مستوى ما ينشر، وهذا يعود، كما يرى، لانحسار الاهتمام النسبي بالرواية نتيجة تشبع المشهد، ونتيجة لظهور كتاب من خارج الوسط الأدبي التقليدي لم يقتنعوا بمحاولاتهم الروائية، فظلت رقما دون أن تترك بصمة واضحة في المشهد الروائي المحلي. * اليوسف: إغراق أدبي الباحث والروائي السعودي خالد اليوسف، الذي يشتغل على جمع ورصد وتصنيف الأدب السعودي، وأصدر دراسة في ثلاثة أجزاء تحت اسم «معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: دراسة تاريخية بيوغرافية ببلومترية»، فيرى أن الرأي القائل بأن المؤسسات المعنية بالنشر اتجهت نحو إنتاج الشباب وطباعة إصدارتهم ما أغرق سوق الكتب بإصدارات خاوية لا تحمل مضمونا أو محتوى ناضجا، يحتمل نصيبا من الصواب، مشيرا إلى أن نسبة هذه المؤلفات تتجاوز 60%. وقال: «انظر إلى ذلك إنه أمر طبيعي، لأنه بعد عام 2000. تركزت عملية النشر على ثلاث أو أربع دور نشر محلية شبه متخصصة في الكتب الثقافية ومنها الأدبية، لذلك القضية التي انظر إليها هي: ثم ماذا بعد الكتاب الأول، الذي أعنونه بكتاب البطاقة؟ أي أنه بمثابة بطاقة الهوية التي ربما تعرّف بالكاتب أو تلغيه أو تبقيه ذكرى». ويبقى السؤال الذي يواجه الكاتب الجديد وفق اليوسف، هو: ماذا يمكنك أن تقدم أو تنجز بعد الكتاب الأول؟ فاستنادا إلى نتائج البحث السنوي الببليوغرافي الذي يجريه اليوسف، تحت عنوان: «الإنتاج الأدبي في المملكة العربية السعودية»، فإن هناك عددا كبيرا من الأسماء الجديدة في أدب المقالة والرواية والشعر والقصة القصيرة، ويصل عددهم إلى ثلث المنتج سنويا: «وهكذا يتكرر هذا كل عام». ويضيف اليوسف: «في كل عام نرى أسماء جديدة، لكنّ السؤال هو: من يبقى منهم متواصلا متجذرا في فنه وإبداعه؟ ومن يواصل الإنتاج والنشر وإثبات اسمه حتى الآن؟ ومن ارتفع إلى مستويات أعلى وأرقى وأجمل؟.. والجواب: إنه عدد قليل!». يلاحظ اليوسف أن من بين أشهر الأسماء الشبابية التي ذاع صيتها، هي الروائية رجاء الصانع صاحبة رواية «بنات الرياض»، التي مضى عليها عشر سنوات حتى الآن، لكنه تساءل: أين نتاجها التالي لهذه الرواية الناجحة؟.. مضيفا: أرى أمثلة كثيرة لحالة الصانع. ولفت اليوسف إلى أن الأسماء الجديدة التي تلتحق بقافلة المؤلفين تتجدد في كل عام، وهي تشكل نسبة ثلاثين إلى 40%، مبينا أن عدد الروايات وصل حتى اليوم إلى نحو 900 رواية، بينما وصلت المجموعات القصصية إلى نحو الألف أو تزيد، وفاقت المجموعات الشعرية بكل أنواعه ثلاثة آلاف ديوان شعري. واليوسف، لا يرى الصورة داكنة، فإن هذا التواصل للحركة الأدبية التي أنجزت هذا الكم الكبير، ينبئ عن تجدد الطاقات الشبابية والمعرفية، وهو عنوان لحيوية المجتمع. * دور النشر: نوفر منصة للشباب ولسنا معنيين بالتقييم * من بين عدد من دور النشر السعودية التي تأخذ على عاتقها احتضان التجارب الشبابية والإسراع بطباعة الإصدارات الأولى للشباب، تأتي دار الفكر العربي في الدمام، شرقي المملكة، حيث يهيمن الشباب على أغلب العناوين التي تنشرها، وتتراوح هذه التجارب من حيث المستوى، لكنها وفرّت منصة يطل من خلالها عدد كبير من الشباب والفتيات الذين يمتلكون مواهب كتابية نحو عالم النشر ودخول المنتدى الثقافي. في حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول باسل درويش مدير التسويق بدار الفكر العربي: «إن فكرة الإصدار الأول تدل على مؤشرين: الأول حيوية الحراك الثقافي لدى المجتمع، فما دام هناك حراك ثقافي، فهو مؤشر على بروز تجارب لكتاب مبتدئين يودون طرح أفكارهم، ولا بد من استيعاب هذه التجارب وتوفير مناخ للتعبير، وحركة النشر تمثل واحدا من هذه المناخات. ويضيف: «كان توجه الأدباء السعوديين قبل عام 2004 نحو الطباعة بدور النشر العربية خارج السعودية، منها مصر ولبنان، وعندما بدأت دور الطباعة والنشر السعودية تنشط في هذا المجال في هذه الفترة، أصبح لديها قابلية للمنافسة واجتذاب شرائح جديدة». ويشير درويش إلى أن هذا الحراك من رواية وشعر وخواطر، أدى لأن يتجه الشباب والشابات السعوديات، إلى نشر كتبهم وإصداراتهم الأولى محليا، في ظل صعوبة الوصول إلى دور النشر في الخارج، وكان ذلك في صالح دور النشر السعودية. ولا تكلف عملية إصدار كتاب لأي من الشباب على مبالغ كبيرة، وعند سؤال درويش عن سعر التكلفة لإصدار كتاب لأي من هؤلاء الشباب، قال: تتراوح التكلفة بين 2 إلى 7 آلاف دولار، وهو مبلغ في حدود إمكانية الشباب. لكنه يلاحظ أيضا أن بعض دور النشر تحاول استغلال اندفاع الشباب نحو النجومية عبر إصدارات تفتقر للحد الأدنى من الجودة. ولا يعتقد درويش أن دور النشر مسؤولة عن انخفاض الذائقة الأدبية للجمهور عبر هذه الإصدارات «الضعيفة»، ويرى أن المسؤول على ضعف الإنتاج الأدبي الشبابي، هو غياب الأندية الأدبية عن تحمل مسؤولياتها في احتضان التجارب الشبابية وصقل موهبتها وطباعة المؤلفات الصالحة فيها، حتى لا يتجه الشباب نحو الاعتماد على أنفسهم في طباعة مؤلفاتهم. ويذكر درويش أن دور النشر السعودية تعتمد في نشرها بنسبة تفوق 60% على الناتج الشبابي، مبينا أن مؤسسة «دار الفكر العربي» التي أصدرت منذ إنشائها قبل 3 سنوات 154 مؤلفا، يهيمن الشباب على هذه الإصدارات بنسبة تتراوح بين الـ70 والـ80%، مشيرا إلى أنه في كل 50 إصدارا سنويا للدار هناك 35% عبارة عن «إنتاج أول» للشباب.