لم يكن لمؤتمر حركة «فتح» السابع، الذي ختم أعماله يوم الأحد الماضي 4 ديسمبر/ كانون الأول، في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، أن يخرج بغير النتائج التي خرج بها وترتبت عليه، إن كان من حيث الشكل أو من حيث المضمون. وانتهى المؤتمر بأسرع مما كان متوقعاً من دون انفجارات، برغم غضب المئات ممن حرموا من عضويته دون وجه حق، فضلاً عن مئات الغاضبين ممن لم يحالفهم الحظ في النجاح. فالمؤتمر عقد بهذا العدد وبهذه الطريقة للتحكم بنتائجه، إذ كانت غالبية أعضائه من المعينين والموظفين، لا من المنتخبين. واعتبرت أوساط فلسطينية، أن نتائج المؤتمر السابع لحركة «فتح»، كانت متوقعة وفق السيناريو الذي أعده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لجهة التوقيت ولائحة أعضاء المؤتمر المدعوين. وأظهرت نتائج انتخابات اللجنة المركزية للحركة، التي أعلنت يوم الأحد الماضي، فوز ستة أعضاء جدد، واستمرار 12 عضواً قديماً في مناصبهم، وجميعهم من التيار المقرب للرئيس عباس. فيما ترى أوساط فتحاوية أن عباس غير معني بوحدة حركة «فتح» وصلابتها، وأنه سيكون مرتاحاً إلى أي انقسام يبعد معارضيه عن الحركة والسلطة والمؤسسات الفلسطينية. وتبدي هذه الأوساط خشيتها من وهن عضوي سيصيب الحركة في حال الانقسام، يكون شبيهاً بحالات الوهن التي أصابت الفصائل الأخرى التي أدت انقساماتها إلى تهميشها، وحتى زوالها عن الفعل الفلسطيني الراهن. وكانت هناك حالة من الاصطفاف الشديد خلال أيام انعقاد المؤتمر، وهناك علامات غضب واضحة وقوية لدى قيادات فتحاوية تاريخية بدأت تترجم بمنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يعبرون من خلالها عن غضبهم واحتجاجهم على شطب أسمائهم من المؤتمر وإلغاء تمثيلهم. وأفرزت نتائج الانتخابات خروجاً لافتاً لأسماء بارزة من اللجنة المركزية لحركة «فتح». ويعد نبيل شعث وأحمد قريع ونبيل عمرو والطيب عبد الرحيم، من أبرز الخاسرين في الاقتراع الذي جرى يوم السبت الماضي. فيما اكتسح الانتخابات القيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي بحصوله على 930 صوتاً، ثم جاء جبريل الرجوب، في المركز الثاني (830 صوتاً)، يليهما محمد اشتيه. كما فاز في انتخابات اللجنة المركزية، صائب عريقات، وصبري صيدم، وناصر القدوة، وسمير الرفاعي، وعزام الأحمد، وتوفيق الطيراوي. وتنافس 65 قيادياً فتحاوياً على 18 مقعداً في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، التي تتشكل من 23 عضواً، بينهم الرئيس عباس و4 يتم تعيينهم من قبله. وعقب إصدار نتائج الانتخابات، عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الأول برئاسة محمود عباس، حيث أكدت أنها «سوف تبدأ على الفور بتنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر العام السابع للحركة، والتي تعتبرها بمثابة خطة عمل وخارطة طريق لها خلال الفترة المقبلة، وخاصة البرنامج السياسي وبرنامج البناء الوطني، وإزالة أسباب الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة، وتقوية الروابط بين أبناء شعبنا الفلسطيني، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بهدف تفعيل وتطوير دوائر منظمة التحرير الفلسطينية». إهمال القضايا الأساسية .. يقول المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، «يمكن تلخيص نتائج المؤتمر بأنه كرس (فتح)، باعتبارها حزب السلطة (حزب الموظفين)، في حين كان المفترض أن تبدأ منه مسيرة ابتعادها عن السلطة كأحد شروط ومتطلبات تغيير شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها، لكي تصبح السلطة أداة من أدوات منظمة التحرير، بعد إعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالمشاركة السياسية. كما كان المؤتمر في الأساس مؤتمراً لتمديد وتجديد شرعية الرئيس عباس، وضمان بقائه لخمس سنوات قادمة». ويضيف المصري في معرض تحليله لنتائج المؤتمر، «إذا لخصنا نتائج المؤتمر بكلمة واحدة فهي (الاستمرارية). فقد بايع المؤتمر الرئيس عباس بالتصفيق وليس بالتصويت، وفي الجلسة الأولى، وذلك خلافاً للأصول التي تقضي بإجراء الانتخابات بعد تقديم كشف الحساب وتقييم الفترة السابقة، وبعد تقديم خطة المرحلة القادمة. وهو ما كرسه قائداً أوحد قبل مساءلته والقيادة السابقة عما أنجزوه وما أخفقوا في إنجازه. وقد تبنى المؤتمر خطاب الرئيس الذي ضخمت فيه الإنجازات بصورة لم نعد نعرف معها عن أي بلد يتكلم، وتجاهل الإخفاقات برغم أن القضية الفلسطينية الآن في أسوأ وأخطر المراحل التي مرت بها». «كما جاء خطاب عباس صريحاً لناحية التأكيد على استمراره في النهج الذي سار عليه قبل اتفاق أوسلو وبعده، علماً أنه أوصلنا إلى الكارثة التي نعيش فيها، في ظل تعمق الاحتلال وتوسع الاستيطان، إلى حد وصل معه عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى حوالي 800 ألف مستوطن، إضافة إلى تقطع الأوصال وتعمق الانقسام أفقياً وعمودياً، وازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتفشي الفساد وارتفاع نسبة البطالة، وتدهور التعليم والصحة والإنتاج الوطني، عدا عن انتهاك الحقوق والحريات، والقضاء على القضاء، وتعطيل المؤسسات، ووضع السلطات كلها في يد شخص واحد»، بحسب ما قال المصري. ويشير المصري إلى أنه لا يجب التعويل على الأجواء الإيجابية التي ظهرت بين «فتح» و«حماس» خلال المؤتمر لإحداث خرق في ملف المصالحة لسبب بسيط، وهو أن «الرئيس عباس أعاد طرح موقفه السابق المنادي بالاحتكام للانتخابات، على أن يقود الفائز بها حكومة وحدة وطنية. وهذا يعكس عدم جدية وتكراراً لما سمعناه طوال السنوات السابقة لناحية تجاهل أهمية توحيد المؤسسات، خصوصاً الأمنية، والتوافق على برنامج سياسي وطني وأسس الشراكة السياسية قبل الذهاب للانتخابات». وكانت حركة «حماس» قد شكلت حضوراً لافتاً في المؤتمر الذي انطلق يوم الثلاثاء الماضي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي التي كانت تصفها السلطة الفلسطينية بـ«الحركة الانقلابية». بعد سيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية في يونيو/ حزيران 2007، إثر انقلابها على مؤسسات السلطة الفلسطينية. وللمرة الأولى، شارك ممثلون عن حركة «حماس»، في مؤتمر حركة «فتح»، وألقى خلاله رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، كلمة قرأها نيابة عنه أحد نواب الحركة في المجلس التشريعي الفلسطيني. وقال مشعل في كلمته، «نحن في حركة حماس، جاهزون لكل مقتضيات الشراكة معكم في فتح، ومع كل الفصائل والقوى الوطنية». يشار إلى أن حركة «حماس»، كانت قد منعت أعضاء حركة «فتح» عام 2009، من الخروج من قطاع غزة إلى الضفة الغربية للمشاركة في المؤتمر السادس الذي عقد في مدينة بيت لحم. ولم تنجح عدة محاولات للمصالحة بين الحركتين منذ أن سيطرت «حماس» في يونيو/ حزيران 2007، بقوة السلاح على قطاع غزة، وكافة مؤسسات السلطة الفلسطينية هناك. «تمهيد شطب المسار النضالي لفتح» .. يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني فؤاد أبو حجله، أن مؤتمر «فتح» السابع، لم يكن مؤتمراً عاماً للحركة، بل كان مؤتمراً خاصاً لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومجموعته، كان أنه كان لقاء مفتوحاً لكبار موظفي السلطة الفلسطينية. وقال أبو حجله خلال لقائه ببرنامج «أوراق فلسطينية» المذاع على قناة «الغد»، إن «نوبات التصفيق الحاد كانت توحي بأن المؤتمر يعقد في بيونغ يانغ، وليس في مدينة رام الله، وأن المعارضة، إن وجدت في المؤتمر، فهي غير فعالة ولا صوت لها». وأضاف أبو حجله، أن «المعارضين في مؤتمر فتح السابع لم يكونوا معارضين حقيقيين، بل كانوا متأرجحين بين موقفين، حيث يروجون خطاباً مقاوماً وثورياً، بينما بمشاركتهم في المؤتمر يمنحون شرعية لهذه القيادة ونهجها، ويزيدون من الاحتقان القائم داخل الحركة». وأشار إلى أن حضور حركة «حماس»، لهذا المؤتمر الذي يؤكد التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، يؤكد أن «هذه الحركة هي حركة تهدئة أمنية مع العدو في قطاع غزة، وأن فتح لن تقبل باستمرار هذا الوضع»، معتبراً أن الأمور ستسير في اتجاهات مخالفة لطموحات الرئيس عباس ومجموعته. واستطرد أبو حجله، أن هناك مهمات كبيرة تقع على كاهل الأغلبية الكبيرة التي لم تشارك في المؤتمر السابع، وتتمثل في العمل الجاد على مواجهة روح الانهزامية التي أشاعها منظموا اللقاء، وكذا إعادة الحياة إلى مشروع فتح النضالي، باعتبارها الحركة الأولى والرائدة للمشروع الوطني الفلسطيني. فيما لاحظت مراجع فلسطينية أن حركة «فتح» الضعيفة، هي مصلحة مباشرة لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، اللتين دعيتا لحضور أعمال مؤتمر فتح، فيما لوحظ تسهيل «حماس»، وصول كافة أعضاء المؤتمر المدعوين من غزة، بعكس موقفها إبان المؤتمر السادس عام 2009. وعن دور حركة «حماس»، يقول المحلل السياسي الفلسطيني مخيمر أبو سعدة، إن حركة حماس «ستحاول ألا تعترض عمل الأعضاء الجدد، بل وستسهل مهامهم لأنها معنية بالتقارب مع الرئيس عباس». وقد خلص مراقبون إلى أنه من المحتمل أن تكون زيارة عباس إلى قطر بعد رفضه لمبادرة الرباعية العربية، وضعته في محور الدوحة وحماس، مقابل المحور العربي الآخر، بما يمهد الطريق للمزيد من التنسيق بين حماس والسلطة الفلسطينية في المراحل المقبلة. وقد حاول عباس، كما كان متوقعاً، أن يقدم خلال كلمته على هامش المؤتمر السابع لحركة «فتح»، انتقاداً ضمنياً لبعض الدول العربية، دون أن يذكر اسم أيٍ منها، خلال مراجعته للملف السياسي منذ نشأة منظمة التحرير الفلسطينية، مروراً بفترة تسلمه للرئاسة، خاصة عندما قال، إن «هناك من يتلاعب بمبدأ المبادرة العربية القائم على الانسحاب الإسرائيلي أولاً، قبل الاعتراف بإسرائيل». عباس الذي أكد على رؤيته السابقة لبرنامجه السياسي المبني على المفاوضات، في موازاة تعزيز التواصل مع إسرائيل، حاول أن يبرر فشل تطبيق اتفاق «أوسلو»، وعــــدَّه خطوة إلى الأمام، بغض النظر عن عدم تحقيق الاستقلال والتحرر، معتبراً أنه بموجب هذا الاتفاق تمكن نحو 600 ألف فلسطيني من العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى أن بسببه عـُقد المؤتمر السادس والسابع لحركة «فتح»، على الأرض الفلسطينية، بحسب عباس. وعقدت الحركة قبل هذا المؤتمر ستة مؤتمرات عامة، كان أولها قبل الانطلاقة عام 1964، وانعقد المؤتمر الثاني عام 1968 بالزبداني في سوريا، وانعقد المؤتمر الثالث عام 1971، ثم انعقد المؤتمر الرابع في دمشق عام 1980، أي بعد تسع سنوات، وحظي بتغطية إعلامية فلسطينية وعربية ودولية واسعة، وانعقد المؤتمر الخامس في تونس عام 1989، وانعقد المؤتمر السادس بمدينة بيت لحم الفلسطينية عام 2009.