قبل شهور قليلة، تعطل نظام الكهرباء البديل الذي يستخدمه حسان سعد لإنارة منزله عندما ينقطع التيار الكهربائي عن المنطقة التي يسكن فيها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. استدعى سعد (39 عاماً) فنياً لإصلاح العطل في النظام الذي يعتمد أساساً على جهاز يعمل بالتيار الكهربائي يشحن بطارية، ثم يتم لاحقاً استخدام الطاقة المشحونة في البطارية للإضاءة أو تشغيل جهاز التلفاز أو غيره من الأجهزة التي لا تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة. راقب سعد الفني بدقة ونباهة، فتعلم فوراً كيف تم إصلاح العطل، وقال لـ «الحياة» إن الفني أحال البطارية التالفة الى «حافظة» للتيار الكهربائي تمكّن من خلالها من شحن جهاز «لاب توب» وهواتف خليوية واضاءة غرف منزله والشارع أمام المنزل مستخدماً لامبات صغيرة جداً تسمى «لد». ولامبة «لد» هي لامبة إلكترونية غير متوهجة رخيصة الثمن، ضوءها قوي جداً، وبدئ باستخدامها للمرة الأولى في سيارات مرسيدس الألمانية قبل سنوات. وشرح سعد لـ «الحياة» في منزله فكرة المشروع الشخصي المنزلي الذي تحول في غضون أقل من شهر الى مشروع خيري ساهم فيه «أهل الخير». وقال إنه أراد عندما شرع بداية كانون الأول (ديسمبر) الماضي بتمديد شبكة بدائية على نفقته الخاصة للجيران القريبين، أن يقدم «صدقة جارية» حتى يحسبها الله له في «ميزان» حسناته. إلا أن «الطلب» بدأ يزيد على تمديد مزيد من الأسلاك واللامبات الصغيرة جداً قوية الإضاءة بعدما راقت الفكرة (الاختراع) للناس في الحارة التي يقطن فيها، أغنياء وفقراء، ومن المشارب السياسية المختلفة، خصوصا حركتي «فتح» و «حماس». ومدد سعد أسلاك مزودة لامبات «لد» بطول نحو 150 متراً، مستخدماً بطارية منزله التالفة التي تستخدم عادة للسيارات الخصوصية، وليس للشاحنات. ويستخدم سعد جهازيْن لشحن البطاريات الإحدى عشرة، إذ يتم الشحن عندما يكون التيار موصولاً إلى المنازل، على أن يتم استخدام هذه الطاقة عندما يتم قطع التيار. ومنذ منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، علماً بأن التيار يصل الى المواطنين في القطاع نحو 8 ساعات، تليها 8 ساعات قطع، وهكذا دواليك... وقبل ذلك كان التيار يصل الى المواطنين ست ساعات يومياً، لكن بعدما تبرعت قطر بنحو 30 مليون دولار لشراء الوقود اللازم لمحطة توليد الطاقة الوحيدة في القطاع، تم وضع برنامج 8 ساعات وصل، ومثلها فصل للتيار. وعلى رغم أن أزمة الكهرباء سبقت الانقسام السياسي عندما دمرت إسرائيل محطة التوليد، إلا أن الانقسام أدى إلى استفحال الأزمة واستمرارها حتى الآن. وحرص سعد المتدين ذو اللحية الخفيفة، على ايصال التمديدات الى المسجد القريب الذي يصلي فيه وجيرانه، مستخدماً 11 بطارية تالفة اشترى ثلثي عددها بنحو أربعة آلاف شيكل وتبرع بالثلث الآخر مواطنون، عدد منهم من خارج المنطقة، أي من غير المستفيدين منه. كما تبرعت شركتا «ألفا» و «خضير» ببعض التجهيزات والتمديدات حتى بلغت كلفة المشروع نحو ستة آلاف وخمسمئة شيكل، أي نحو ألفي دولار. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى اختار سعد اسماً «سياسياً» للشبكة: «شبكة الوحدة الوطنية للإنارة الخيرية»، وتم توصيل التمديدات الى 55 منزلاً، واضاءة شوارع بطول نحو 550 متراً. وقال إنه اختار هذا الاسم للشبكة حرصاً منه على توجيه رسالة الى حكومة «حماس» التي تدير الأوضاع في القطاع وحكومة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بضرورة التوحد وإنهاء الانقسام. وأضاف أن أزمة الكهرباء في القطاع ناجمة عن الانقسام السياسي الذي يعصف بالفلسطينيين، خصوصاً في القطاع. ولفت إلى أن العمر الافتراضي للبطاريات والتمديدات يتراوح بين ستة أشهر إلى سنة واحدة، ما يعني ان المشروع سيتعرض إلى التلف خلال الشهور المقبلة. ومع ذلك، فإن سعد مصمم على الاستمرار في دعم المشروع مالياً وبجهده وعرقه حتى نهاية عمره، أو في حال عاد التيار الكهربائي موصلاً على مدار الساعة. فلسطينقطاع غزة