بغداد: «الشرق الأوسط» في وقت لا يزال فيه البرلمان العراقي عاجزا عن إقرار الموازنة العامة للدولة التي تتوقف عليها رواتب واستحقاقات ملايين العراقيين فضلا عن عدم قدرته على إقرار نحو 12 مشروع قانون ينتظر بعضها منذ سنوات إقراره من أبرزها النفط والغاز ومجلس الاتحاد والأحزاب والمحكمة الدستورية، صادق مجلس الوزراء على قانون الأحوال الشخصية الجعفرية المثير للجدل حتى داخل المرجعيات الدينية الشيعية وأحاله إلى البرلمان للمصادقة عليه. البرلمان الذي لم يتبق من دورته سوى شهرين لا يملك سوى أن يضيف مشروع قانون خلافي جديد آخر إلى مجموعة القوانين التي سوف ترحل للمرة الثانية إلى الدورة البرلمانية المقبلة بعد أن عجزت دورتان برلمانيتان (2006 - 2010) و(2010 - 2014) عن إقرارها والمصادقة عليها. وكان مجلس الوزراء العراقي صادق الأسبوع الماضي على مشروع القانون وأحاله إلى البرلمان. وقال بيان نشر على موقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء إنه «جرت الموافقة على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، المدقق من قبل مجلس شورى الدولة، وإحالته إلى مجلس النواب مع التوجيه بتشكيل لجنة من علماء الدين تشكلها المرجعية الدينية العليا لمواكبة تشريع القانون في مجلس النواب استنادا إلى الدستور بعد تدقيقه بالتنسيق بين وزارة العدل والدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء». وكان مشروع هذا القانون لا يزال يثير جدلا سياسيا وفقهيا بين مختلف الأوساط بينما دافع عنه بشدة وزير العدل حسن الشمري وحزب الفضيلة الذي ينتمي إليه. وكان الشمري قد انتقد قرار مجلس الوزراء بتأجيل مشروعي قانوني الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري وتعليقهما على موافقة المرجعيات الدينية العليا، عادا أن «ذلك هو إلغاء ومنع تشريعهما من الناحية العملية»، مضيفا أن «التعصب الفكري والطائفي وحسابات التنافس السياسي والانتخابي، كانت وراء إحباط تشريع هذين القانونين». وكان النائب المستقل عبد الهادي الحكيم المقرب من المرجعية قد أوضح موقف المرجعية الدينية من مسودتي قانوني الأحوال الشخصية الجعفرية والمحاكم الجعفرية، متهما وزير العدل حسن الشمري وحزب الفضيلة الذي ينتمي إليه بإثارة زوبعة حول هذا القانون ضمن دعاية انتخابية من جهة ومحاولة للإساءة إلى موقع المرجع الأعلى من جهة أخرى. وقال الحكيم في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن «بعض وسائل الإعلام تناولت أخبارا غير دقيقة عن موقف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني من مسودتي قانوني الأحوال الشخصية الجعفرية، والمحاكم الجعفرية، وفي ما يأتي توضيح للموقف.. إن وزير العدل حسن الشمري طلب موعدا للقاء السيد السيستاني قبل أن تطرح المسودتان للتصويت في مجلس الوزراء ولكن رفض طلبه جريا على نهج السيد في السنوات الأخيرة من عدم استقبال أعضاء الحكومة و سيما الوزير الذي شهد عهده فرار المئات من الإرهابيين من السجون التي هي تحت إدارته، وعلى الرغم من ذلك فقد التقى بالشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل السيد السيستاني في كربلاء المقدسة وسمع وجهة نظره في الموضوع». وبين أن «وزيرة الدولة لشؤون المرأة لم يكن لها أي اتصال بمكتب السيد السيستاني قبل تصويت (الوزراء) على تأجيل القانونين إلى ما بعد انتخابات، ولم يكن لتصويتهم بالأغلبية لصالح قرار التأجيل علاقة بالسيد السيستاني، فإن جميع المقترحات التي عرضت للتصويت كانت تتضمن ضرورة استحصال موافقة المرجع الأعلى ولكنهم لم يوافقوا على الإسراع في إقرار القانونين، ولكل سببه». من جهتهم، عبر ناشطون ومثقفون عراقيون عن أسفهم لما عدوه تراجعا في بناء منظومة الدولة المدنية التي تعزز فكرة المواطنة. وقالت الناشطة المدنية هناء أدور رئيس جمعية الأمل التي تعنى بحقوق المرأة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوزراء الذين وافقوا على إحالة مشروع القانون إلى البرلمان يعرفون جيدا أن المادة 41 من الدستور العراقي المعنية بالأحوال الشخصية مجمدة حاليا بانتظار التعديل وبالتالي فإن الإحالة بحد ذاتها مخالفة دستورية، يضاف إلى ذلك نقطة في غاية الأهمية وهي أن لدينا في العراق أفضل قانون للأحوال الشخصية في المنطقة وهو القانون رقم 88 لسنة 1959»، مشيرة إلى أن «المفارقة اللافتة للنظر أن ما نسبته 80 في المائة من مواد ذلك القانون مستمدة من المذهب الجعفري وبالتالي لا توجد حاجة إلى تشريع قانون جديد من شأنه أن يعيدنا إلى ما قبل دولة المواطنة». وعدت أدور أن «السبب الحقيقي لإحالة مشروع القانون الآن إلى البرلمان على الرغم من إدراكهم أن فرص إقراره الآن مستحيلة، إنما هي لأغراض الدعاية الانتخابية والكسب الحزبي وذلك بإيهام فقراء الشيعة بأنهم حققوا شيئا مهما لهم». وأوضحت أدور أن «تفاصيل مشروع القانون مرعبة لأنه يسحق المرأة تماما حيث يجيز تطليقها وهي دون سن الزواج كما يحول العلاقة الأسرية إلى مجرد علاقة جنسية كما أنه يسحق مبدأ المواطنة ويفتت وحدة النسيج المجتمعي ويحول العراق إلى دولة مكونات وكانتونات». في السياق نفسه، دعا الناشط والمثقف العراقي حميد قاسم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «وقفة احتجاج جادة من قبل الجميع للحد من هذا الاستهتار بمشاعر وعواطف العراقيين تحت ذرائع مختلفة على أن تكون هذه الوقفة ذات همة عالية بحيث تتمكن من إيقاف هذا التدهور الذي بات يطال أسس الدولة المدنية المنشودة». وأضاف قاسم أن «قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 قانون متطور ولا غبار عليه وبالتالي لا داعي لأي قانون جديد فضلا عن أنه يدخلنا بمشاكل وإشكالات مجتمعية نحن في غنى عنها»، مؤكدا أن «القضية فقهية وبالتالي فإن الإشكالية تبقى قائمة بين دور البرلمان كجهة تشريع وبين دور المرجعية الدينية التي يراد لها أن توافق على القانون كجهة فقهية، والأهم أنه يتناقض مع الدستور الذي يقر مبدأ المواطنة بعيدا عن الجنس والعرق والطائفة».