قلت في مقال سابق أن علينا أن نقرأ جيداً كل مكونات العملية الإنتخابية, التي أنتهت في بلدنا, وأن نستفيد منها لنتجنب أخطاءها في الإنتخابات القادمة, التي ستجري بعد أقل من أربع سنوات, وعندي أن اول ما ستقودنا إليه القراءة في الإنتخابات النيابية الأخيرة أنها كشفت عن أسوأ ما فينا, وأول هذا الذي كشفته الإنتخابات النيابية, السلبية القاتلة التي استحكمت في شرائح واسعة من مكونات المجتمع الأردني وهي السلبية التي كرستها الكثير من المقالات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي, التي ضجت بالأحكام المسبقة التي تزيد الواقع تردياً, وتكرس الإحباط واللاجدوى, مما ساهم في إحجام هذه الشرائح عن المشاركة في العملية الإنتخابية, والتي تمترست خلف أحكام سلبية مسبقة عن العملية الإنتخابية, وهي أحكام بنيت على سوء الظن بإدارة العملية الإنتخابية, وبذريعة أن لا فائدة من المشاركة, ما دامت النتائج معروفة سلفا, وبذريعة اخفاقات المجالس النيابية السابقة, وهي أحكام أعطى أصحابها لأنفسهم الحق بمصادرة المستقبل والحكم عليه, لتأتي نتائج العملية الإنتخابية مخالفة لأحكامهم وسوء ظنهم, علماً بأن المنطق يقول بأن معالجة الإخفاقات لا تكون بالسلبية, فالشعوب الحية هي التي تدفعها إخفاقات مجالسها النيابية إلى الإنخراط في العملية النيابية لرفع سوية هذه المجالس, وهذا مالم تفعله هذه الشرائح التي تمترست خلف سلبيتها, متناسية أن المجالس النيابية هي إفراز مجتمعاتها, وصورة عن هذه المجتمعات, وأن السلبية تساعد على رسم صورة مشوهة لمجتمعنا, هذه واحده من العيوب التي جسدتها أمامنا الإنتخابات النيابية الأخيرة. العيب الثأني والخطير الذي كشفته الإنتخابات النيابية, هو حجم الخراب في البنية السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية الأردنية. وهو الخراب الذي يؤكد فشل وعجز جل الأحزاب السياسية, وسائر مؤسسات المجتمع المدني وعدم قدرتها على الوصول إلى الناس, الأمر الذي أدى إلى غياب التنظيمات والاتجاهات والتحالفات والكتل الوازنة عن الإنتخابات النيابية, ومن ثم تراجع الشعار الجامع السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي في هذه الإنتخابات لحساب شعارات مطلبية ممجوجة. لقد تجلى خراب البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية الأردنية بتلطي الكثير من المرشحين بما تبقى من تماسك الإطار العشائري في معظم مناطق المملكة, مثلما تجلى في غياب البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية, مما يستدعي ورش عمل وطنية جادة لدراسة جوانب الخراب التي أصابت البنى التحتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكونات وأطر حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية قبل فوات الأوان. العيب الثالث الذي كشفت عنه الإنتخابات النيابية الأخيرة وهو مرتبط بالعيب الثاني, فبسبب الخراب البنيوي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفكرياً, صرنا بلا أطر جامعة وقادرة على تنظيم الناس أولاً وتحريكهم ثأنياً, إلا في حالات نادرة, فبسبب تماسك الإطار الناظم والمحرك في البادية الجنوبية وهو هناك الإطار العشائري سجلت دائرة بدو الجنوب أعلى نسبة مشاركة في الإنتخابات النيابية, بينما سجلت دائرة عمان الثالثة أدنى نسبة مشاركة بسبب ضعف الأطر الناظمة لسكان المنطقة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وهو الضعف الذي صب لصالح تحاف جبهة العمل الإسلامي باعتبارها القوة السياسية الوحيدة المنظمة التي عملت في الدائرة الثالثة, بالإضافة الى كتلة ( معاً ) التي طرحت شعاراً نعتقد أنه خلق من خلفها تياراً من الناخبين, وإن لم يكونوا مؤطرين حزبياً غير أن الخوف من تغول تكتل الإصلاح دفعهم للالتفاف حول شعار الدولة المدنية الذي رفعته قائمة ( معاً ) على الرغم من كل الالتباس الذي يحيط بهذا الشعار, لكنه كان عامل تحريك وتأطير لشرائح من الناخبين. مما يبرهن على أن وجود الإطارالمحرك للناس سواء كان هذا الإطار تنظيماً أو تياراً أو شعاراً جامعاً من أهم وسائل محاربة السلبية. لقد أدى غياب الأطر الناظمة للناخبين إلى سلسلة من النتائج السلبية, أولها تكريس حالة السلبية عند الشرائح التي أشرنا إليها في مطلع هذا المقال, وثانيها أنه أظهر مجتمعنا كمجتمع ممزق, مفرغ, هش, تسوده الفردية ويغيب عنه العمل الجماعي حتى داخل القائمة الواحدة, التي أدت اشتراطات القانون إلى قيامها شكلاً دون مضمون, بل لعل الصراع داخل القائمة الواحدة كان في كثير من الأحيأن أشد وأشرس من الصراع بينها وبين غيرها من القوائم. وفي ظل غياب الأطر أيضا لم يعد مجتمعنا يمتلك ابتداء أدوات فرز القيادات الكفؤة في كل المجالات, ومنها القيادات البرلمانية, فبدلاً من الأحزاب وسائر مؤسسات المجتمع المدني بل والعشيرة في مضمونها الحقيقي ودورها السياسي المعروف تاريخياً, حلت أدوات فرز مختلفة قوامها المشاركة في واجبات العزاء, والجاهات وإقامة الولائم, فصارت الفرصة أكبر للأكثر فهلوة والأكثر قدرة مالية, والأكثر امتلاكاً للوقت الفارغ من الأعمال الجادة والاستعاضة عنها بمظاهر الرياء الاجتماعي من جاهات وخلافه. مما أدى إلى المزيد من العيوب والسؤات التي كشفت عنها الإنتخابات النيابية التي ستكون محل مقال قادم إن شاءالله. الراي