×
محافظة القصيم

أمير القصيم يرعى ختام مهرجان التمور في رياض الخبراء

صورة الخبر

في عام 1858، حلّق فنان سيئ السمعة وآخر يعمل "دوبلير" في لعب الأدوار الخطرة، فوق قرية قرب باريس في منطاد؛ ليلتقطا أول صور جوية للعالم، ومنذ ذلك الحين والثورة الصناعية تضع البشرية على طريقها الحالي من حيث إعادة هندسة الكوكب جذرياً. نشر جاسبر فيليكس تورناشون المشهور باسم نادار، صورة في الصحف الفرنسية لتحفيز العامة كي يهتموا ببناء آلة أثقل من الهواء. والكاتب فيكتور هوغو صديق نادار كتب داعماً لحلم الفنان بمستقبل الطيران "هذا الأمر يتخطى كل الحدود التي وصلنا إليها من قبل، إنه بمثابة تدمير لكل الحواجز" ذلك التدمير أظهر للبشرية في النهاية صورة جديدة عن نفسها، من منظور جديد، وهذه الصورة تدعو إلى الشعور بالسلطة، والتواضع في الوقت ذاته. هشاشة الكوكب في وقتنا الحاضر، تجمع الطائرات، الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار صوراً تتيح الفرصة لرسامي الخرائط أن يرسموا القارات، وتمكن الدول من التجسس على ترسانات الأسلحة، وتسهل أعمال الإغاثة وإنقاذ ضحايا الفيضانات والزلازل. ولا تزال المشاهدة من أعلى تشجع الخيال الفني. الصورة التي تبدو من على ارتفاع 30000 قدم، والتي التقطتها آلة يستخدمها بعض الفنانين -ممن ستظهر أعمالهم فيما يلي- يألفها الرحالة المعاصرون على مستوى العالم، على أنها في مثل الارتفاع الذي تصل إليه الطائرات التجارية. وتُعَد تلك هي نقطة التحول في الارتفاع، إذ لا يشغل المسافر حيزاً جغرافياً على الأرض، ولكنه يمر من فوقها عبر الضباب والتشويش الذي يصيبه نتيجة السفر ونقص الأكسجين. لكن توقُع هوغو لم يكن شاملاً لما يحدث في وقتنا الحاضر: فالارتفاع الشاهق يعزل المشاهدين المحدقين إلى أسفل عن خبراتهم الاعتيادية على الأرض، كما أن الارتفاع يُظهر سطح الأرض كلوحة ذات ألوان ورسومات هندسية مجمَّلة. عندما تُشاهَد مناجم المعادن، والمناطق الصناعية، ومحطات توليد الكهرباء من أعلى، فإنها تثير فضول المُشاهد وتبهره، مُظهرةً أشكالا فنية، إلا أن الغرض الأساسي منها يظل خفياً. وفي الوقت نفسه، فإن المنظور الجوي لكوكب الأرض ليس منظوراً مُجرداً خالصاً؛ لأنه يثير التأمل في حجم المناظر الطبيعية، والبينة التحتية البشرية، أي تأمل الفرق بين التطور الجيولوجي البطيء، والتطور البشري السريع. فالمسافر يحلق فوق غربي الولايات المتحدة في سويعات، ليرى شبكةَ الطرق السريعة في كاليفورنيا مثلاً وكأنها شبكة عصبية كبرى، الفنادقَ الضخمة على طريق لاس فيغاس الطويل محاطة بالنافورات وأشجار النخيل وسط الصحراء بشكل لا يصدق، وتضاريس الأخدود العظيم القاسية، وخلجانه شديدة الانحدار التي شكلتها السهول المستقرة على نهر كولورادو، وجبال روكي التي استقرت بفعل تحطم صفائح الأرض الصلبة منذ 50 مليون عاماً، والتي تكونت قممها الفضية القاسية عن طريق الكتل الجليدية. ومن ذاك الارتفاع الكبير، لا يستطيع المُشاهد سوى الإحساس بضخامة الكثافة السكانية وانتشارها، والنَهم إلى الطاقة، وأعمال التنقيب. يصنع المشهد الجوي صورةً مرئية عن أرقام معروفة سلفاً، كزيادة جزيئات ثاني أكسيد الكربون المنتشرة بالملايين في الجو أو درجات الحرارة المستقبلية للكوكب. الصورة الشهيرة للأرض على هيئة كرة زرقاء -التي التقطها طاقم بسفينة الفضاء أبوللو خلال رحلة عام 1972- تصف مدى هشاشة الكوكب ووحدته، ومن ارتفاع 30000 قدم، نرى بوضوح بصمة الإنسان. تغير نحو الأسوأ أعادت البشرية تشكيل كوكب الأرض، كما غيرت مناخه الجوي بصورة خطرة، لدرجة وصل بها الكوكب إلى حالة تعكس كلاً من التحكم والفوضى التامة؛ فاستخراج الوقود الحفري لإمداد الحضارة المدنية بالطاقة غيّر تشكيل الغابات، والمحيطات، والجبال، كما أن حرق الفحم والزيوت رفع من درجة حرارة الكوكب، مما دفع إلى حدوث كوارث مناخية؛ فذابت القمم الجليدية، وهاجرت أنواع من الكائنات الحية نحو الشمال والمرتفعات، كما أن أضرار الجفاف، والمبيدات الحشرية، وموجات الحر فتكت بالحقول، والغابات، ورفعت مستوى البحار، ما يهدد مدناً تعد رموزاً كبيرة. ومنذ عام 2001 ونحن نشهد أشد خمسة عشر عاماً حرارة من بين 16 عاماً، ويحتل عام 2016 مرتبة العام الأكثر حرارة حتى الآن، والفضل يرجع إلى انبعاثات الوقود الذي يمدنا بالكهرباء، ويستخدم في المواصلات، إنتاج الحرارة، والتبريد، مثلما يغذي المجتمع البشري. وعندما تعيد البشرية تشكيل وجه الأرض بهذه الصورة، فإن الحاجة تزداد إلى اعتبار أفعالنا غير طبيعية، ولكن هل هي كذلك؟ تغيير سريع للمناخ سكب الرسام التجريدي جاكسون بولك قطراتٍ من الطلاء على لوحاته الكبيرة بإيقاع عازف جاز منفرد واسترساله، وعندما حاول الناس إقناعه برسم ما رآه في الطبيعة، صاح واثقاً: "أنا الطبيعة". وبينما يعيد الفنانون تشكيل لوحة الكوكب -مستفيدين من موارد الأرض- يظل وجود البشر جزءاً من الطبيعة وخارجها، في صراع أزلي مع مصالحهم الشخصية، كما يعيدون رسم أماكن لم تكن مألوفة لهم يوماً. فالمشهد الجوي يقدم خبرة فريدة من نوعها لرؤية الجمال في القبح، ومع ذلك، وبعد تمعّن دقيق، قد يكتشف المشاهدون الرعبَ فيما يجدونه جميلاً؛ فتغيُّر المناخ الفجائي تسارع بشدة، والارتفاع العالي يفتح ثغرة لرؤية البشرية في دورها الكامل تجاه الأرض: في الصراع، والتقدم، والانتصار، والتخريب. - هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .