الديكتاتور هو الحاكم الذي في يده سلطة مطلقة على البلاد. هو الأب الذي لا تجوز معارضة قراراته التي يتخذها من دون موافقة الشعب، ولا يستثني في سبيل بقائه في الحكم كل أسلوب لا أخلاقي أو لا إنساني أو عنفي، ومن استغلال العاطفة والدين. فإذا كانت الديكتاتورية منصباً رسمياً في عهد الجمهورية الرومانية لحكم البلاد بقبضة من حديد في زمن الحروب والطوارئ، إلا أنها أصبحت لاحقاً عاهة سياسية تؤرق الشعوب. ذات يوم، وصف الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ديكتاتور نيكاراغوا اناستاسيو سوموزا بأنه «ابن كلبة»، مضيفاً «ولكنه ابن كلبتنا ولذلك نراه نافعاً». وقد اعتذر روزفلت بداية عن بذاءة ما تلفّظ به، لكن ما قاله كلام ثقيل ويدلّل على عدم اكتراث الولايات المتحدة بأن تنعم الشعوب الأخرى بالديموقراطية. ويذكّرنا التاريخ بما قاله المدعي العام الفرنسي اثناء الحكم بالإعدام على الملك الفرنسي لويس السادس عشر: «إن الملك تفاوض مع القوى الأجنبية للقضاء على الثورة، فلماذا نستثني وارث العرش اذا كان خائناً من إيقاع القصاص عليه؟ فطالما ظل على قيد الحياة ستحاك المؤامرات لإعادته الى سلطانه، كما كان قبل الثورة. فليكن عبرة لغيره حتى يعتبروا ويتفكروا قبل أن يخونوا آمال شعوبهم.» إن السجل البشري حافل بالطغاة الذين يخترعون كل آلة لإهانة شعوبهم والتنكيل بها، وعندما يتربعون على عرش الحكم فإنهم يستمدون قوتهم من تحالفات عابرة لحدود بلادهم. أما ديكتاتورنا المحلي فيعتبر نموذجاً فريداً من نوعه للإرهاب وملاحقة الأحرار، كيف لا وهو يقود نظاماً دموياً يقطع أوصال سورية، أرضاً وشعباً وتاريخاً. ولعلّنا ندرك ما يعيشه من عزلة مأسوية عميقة وقلق من مصير سيلاحقه أينما فر. إن نهاية الطغاة عادة ما تكون مأسوية، ولنا في القذافي وقبله تشاوشيسكو أمثلة، وكيف لمن تبقى من الطغاة أن ينسى ملامح وجه تشاوشيسكو قبل إعدامه وهو يرتعش ويبكي، وكذا القذافي المرتعب من هول الصدمة، فتلك الدقائق التي سبقت مقتله كانت تعادل لديه كل سنوات حكمه وجبروته. وكذلك صدام حسين الذي أثبت شرقنا الأوسط امتلاكه مخزوناً من الديكتاتوريات أشد فظاعة من حكمه وكل إجرامه بحق شعبه ليجد نفسه وقد اقتاده معارضوه الى حبل المشنقة. إن المصير نفسه يلاحق الطغاة، حتى في أحلامهم. يعي جيداً هذا المغمور، أن إسقاط الديكتاتورية الفردية سوف يُسقط أهم أضلع الديكتاتورية الجماعية في البلاد، ومعه كل السنن البالية التي هي أحجار عثرة في طريق المدنية والرفاه. هل كان يجب أن يكون هناك خريف عربي بدلاً من الربيع العربي، ليدرك الطغاة أن الخريف يعني أفول مجدهم ورحيلهم مع تساقط أوراق الخريف، إذ يبدو انهم فهموا من الربيع تجدد السلطة والدموية. لكن ليطمئن الديكتاتور، فثورتنا ستمضي به الى مزبلة التاريخ وإن طال الطريق أو تعرج أو كان وعراً. أيها الديكتاتور، نحن لسنا نعاجاً وأنت لست صاحب مسلخ، بل نحن بشر نعشق الحياة الحرة الكريمة العادلة. في بؤبؤ عينيك صرخة ملايين البشر: حرية... حرية. وفي يدك المرتعشه التي تحمل رصاصات تحصد أرواح أطفالنا، مطرقة تنصب لك المشنقة. فانتظر، إنّا نحن لمنتظرون.