يثير الاتصال المباشر الذي بادرت إليه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتأكيد الطرفين على «ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين» لغطاً واسعاً على الساحتين المحلية في بريطانيا والدولية، ما يشير إلى تحول كبير في السياسة الخارجية لبريطانيا من شأنه أن يترك أثراً كبيراً على الكثير من الأزمات الدولية المستعصية في أوكرانيا وسورية واليمن. فالحكومة البريطانية في عهد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون انتهجت سياسة صدامية تجاه روسيا والرئيس فلاديمير بوتين في شكل خاص، وكان كاميرون المبادر لفرض الدول الغربية سلسلة عقوبات على روسيا عقب إعلان موسكو عن استردادها جزيرة القرم من أوكراينا العام 2014، وتوجيهه الانتقادات للموقف الروسي من الأزمة السورية ودعم بوتين بقوة للرئيس بشار الأسد. وإلى جانب الخبر الذي انفردت بنشره صحيفة «الديلي تلغراف» عن اتصال تيريزا ماي ببوتين نشرت الصحيفة فيديو للقاء صحافي عاجل أجرته مع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مطار هيثرو قبيل مغادرته بريطانيا في مطلع الأسبوع الجاري لقضاء إجازته الصيفية مع عائلته في الجزر اليونانية، حيث تكلم جونسون بلهجة شديدة ضد بوتين. وقال إنه «ينبغي مقاضاة بوتين إذا تبين أنه كان وراء اغتيال اللاجئ السياسي الروسي ألكسندر لتفيننكو في لندن قبل عشر سنوات». وبدا من هذا الخبر أن هناك عدم تفاهم داخل الحكومة البريطانية في شأن العلاقات مع روسيا وأن أعضاء الحكومة يتحدثون بلغتين، إذ أوحى كلام جونسون عن الرغبة في محاكمة بوتين أنه غير معني بالتقارب مع روسيا الذي عبرت عنه ماي في مكالمتها الهاتفية، بل ربما لم يكن جونسون مطلعاً على قرار ماي بإجراء المكالمة مع بوتين والتي جرت في غيابه خارج بريطانيا، أو ربما أنه كان مطلعاً عليه وفضل أن يتم الإعلان عن هذا التقارب في غيابه. لكن المحللين السياسيين يرون أن جونسون تَعَوّد أو أدمن على مواجهة المواقف المحرجة، مثلما حصل معه عندما التقى في باريس الشهر الماضي وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت الذي نعت جونسون بـ «الكذاب» قبل اللقاء بأيام قليلة، وتوسعت وسائل الإعلام البريطانية في الحديث عن المواقف المحرجة التي تنتظر جونسون في المستقبل، عندما سيضطر لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد أن أهان أردوغان ووصفه بـ«المستمني». وفي مكالمتها مع بوتين، وافقت ماي على «ضرورة زيادة التعاون الأمني بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن للملاحة الجوية، إضافة إلى التعاون الاقتصادي، حيث ستشهد الفترة المقبلة سلسلة لقاءات بين المسؤولين في أجهزة الأمن التابعة للبلدين».