×
محافظة المنطقة الشرقية

رئيس الهيئة العامة للرياضة يعتمد عددا من مجالس الأندية

صورة الخبر

تبدو جمالية القصة القصيرة جداً في كونها لقطة فنية مكثفة تستند -في تصوري- إلى أركان أربعة هي: الحجم الموجز، والرمز المكثف، واللون الحكائي، واللغة المميزة، وهذه من أهم المعايير التي أرى أن تقاس بها حدود القصة القصيرة جداً؛ فأما الحجم فلأنه لابد فيها من الإيجاز، بحيث لا تتعدى بضعة أسطر، ولنكن أكثر دقة في ذلك، فنقول: من الأولى ألا تقلّ عن نصف سطر، وألا تتجاوز خمسة أسطر، وإلا كان وصفها بـالقصيرة جداً غير مناسب. وأما الرمز، فلأنها كلما كانت ذات إيحاء بالغ، كان ذلك أدعى إلى تميزها، غير أنّ المبالغة في الرمز أحياناً قد تنزلق بكاتبها إلى حيث الغموض، ومن ثم تفقد بعضا من حيويتها القصصية، فتتداخل أحيانا مع خطوط أخرى، كالخواطر، وربما تشابكت مع الشعر المنثور، أو النثيرة قصيدة النثر التي تَعُدُّ الغموضَ غايةً من غاياتها، وآية من آياتها. وأما الحكائية أو المسحة القصصية، فهي أهم سمات هذا الجنس الأدبي، وهي علامته الفارقة فمن خلالها تظهر أساليب القص في أوجز صورها، وليس شرطاً أن تكون حاوية لجميع الأساليب القصصية، ولكن من المهم - لنعرف تلك المسحة القصصية - أن يكون في النص ما يشعر بالسرد، أو الحوار، أو الوصف، وليس بالضرورة أن تجتمع تلك الأساليب في نص واحد. أما عن اللغة، فهي الكساء الذي تتوشح به القصة، بحيث تكون الألفاظ والتراكيب مما يدعم لونها القصصي، كالجمل الفعلية التي تتماهي مع القص، من خلال حركيتها، وتطورها، وزمنيتها، كما أنّ اللغة مهمة أيضاً في إظهار الوصف، أو السرد، أو الحوار بلون شعري، من خلال انتقاء المفردة، والحرص على جمال العبارة، وكونها فصيحة، سليمة من العيوب، ورشيقة. إن هذه الأركان الأربعة تتضافر مع أكثر الملامح التي تتميز بها القصة القصيرة جداً، وهي ملامح تتفرع من تلك الأركان، وتصب في خدمة شعرية النص، وجماليته؛ فالجرأة مثلا، والمفاجأة، والإدهاش والتلميح، والمفارقة، والسخرية، والاستهلال الجذاب، والختم المحيّر القفلة وغيرها، كل ذلك مما يعزز من شعرية القصة القصيرة جداً، وهو ما يجعل النص مشعرا ب الاهتزاز الذي يجده المتلقي عند تحقق تلك الأركان والسمات. لهذا فإن شعرية النص وجماليته تبدو أكثر وضوحاً في تلك الهزة النفسية التي يشعر بها المتلقي وكما أن للقصيدة وللرواية هزة يدركها المتذوق، كذلك فإن للقصة القصيرة جداً هزتها أيضاً، تلك التي لا يشعر بها سوى من غاص في النص، وعاش أجواءه، وعليه فإن مقياس الشعرية يظهر عندي في قوة ذلك الاهتزاز من عدمه، وإذا كانت تقاس الزلازل عادة - من الناحية الجيوفيزيائية - بالمقياس المعروف ريختر فإن القصة القصيرة جداً في نظري ربما احتاجت - من الناحية الأسلوبية أو الشعرية أو السيميائية - إلى مثل هذا المقياس الذي يحدد قوة النص الوامض، ومدى تأثيره وإضاءته. ولابأس - فيزيائياً وإحصائياً- أن نضع معياراً مضارعاً شعرياً خاصاً بالقصة القصيرة جداً يكون في قياس تطابق الأركان الأربعة، بالسمات والملامح المناسبة، وعن طريقه يمكن للناقد تحديد انتماء النص لهذا الجنس، ثم قياس شعريته؛ وبخاصة أن الأدعياء على هذا الجنس كثير. ولست أدعي هنا ابتداع لون نقدي جديد؛ فالأسلوبية الإحصائية عرفت مثلاً عند غير ناقد من أمثال الألماني بوزيمان في معادلته المعروفة، غير أنني هنا أدعو إلى تحديد معيار ثابت يضمن للنص شعريته، ويحقق له غاياته الجمالية، والوظيفية، والمعنوية، وحتى الأجناسية.