يُنظر لآسيا اليوم باعتبارها العالم الجديد وأوروبا بصفتها القارة العجوز. ويظل الأمر كذلك إلى أن يصل المرء ليُقيّم واقع شرق آسيا، كشبكة معقدة من النزاعات التاريخية التي لم يجر حلها، والتوترات المتصاعدة. ويعمل ذلك على إظهار إنجازات أوروبا، على امتداد العقود الستة الماضية، بمظهر مبهر. لنتعلم من أخطاء الماضي هكذا تشير اللافتة الموضوعة على النصب التذكاري لهيروشيما الذي أقيم تكريماً لـ140 ألف ضحية بعد إلقاء القنبلة الذرية على المدينة. علماً أن هناك عدداً قليلاً من الأماكن التي طالها الخراب خلال القرن العشرين بقدر مماثل للقوة التي أحدثتها قنبلة هيروشيما. قد تكون آسيا مزدهرة، لكنها مسكونة بأشباح ماضيها، فالمشاعر القومية في ذروتها. وتقوم الصين بنشر حالة من الذعر بين الدول المجاورة لها من خلال الدفع بمطالبها الإقليمية قدماً، وتشييد الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي بغية توسيع انتشارها العسكري. وتُرجع القيادة الصينية تصرفاتها للتاريخ الإمبراطوري القديم، بهدف إضفاء الشرعية على تحركاتها، ولكن لا يعمل ذلك إلا على مفاقمة مخاوف الدول، بدءاً بالفلبين ووصولاً إلى فيتنام التي تقول إنه يجري التعدي على مصالحها. لقد تساءل محلل عسكري ياباني قائلاً: لا يفتأ الصينيون يتحدثون عن تعرضهم للإذلال لمدة 200 عام، ولكن هل يعني ذلك أنه يتوجب علينا قبول أي شيء يفعلونه؟. تتصاعد التوترات في المنطقة، لتشمل نسبة مثيرة للقلق من التهديدات النووية. ففي يناير الماضي، أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الرابعة، فضلاً عن إعلانها أخيراً عن إطلاقها صاروخاً باليستياً من غواصة (على الرغم من إعلان كوريا الجنوبية فشل نظيرتها في ذلك). وينتهج الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون استراتيجية التوسع العسكري، مدفوعاً بهاجس البقاء السياسي للنظام. يجري في المنطقة سباق تسلح تقوده الصين . ففي عام 2014 تجاوز الإنفاق العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (الذي يقدر بنحو 338 مليار دولار) نظيره في أوروبا. ويترقب الجميع وقوع مواجهة بين الصين وأميركا، إذ يقدر أحد خبراء الدفاع بطوكيو أن هناك فرصاً متساوية لحدوث اشتباك عسكري بين البلدين فيما يتراوح بين خمس إلى عشر سنوات مقبلة. تفتقر آسيا لكل من الخلفية الثقافية المشتركة والتلاحم الجغرافي اللذين تحظى بهما أوروبا. وأشار روبرت دوجاريك، الأستاذ في جامعة تمبل في طوكيو، إلى أنه لا وجود لأي كلمة باللغتين الصينية أو اليابانية لـآسيا، بل تم أخذ التعبير اللفظي لـآسيا من الأوروبيين. وقد كانت أوروبا الاستعمارية هي التي أطلقت صفة الآسيويين عليهم. أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في عام 2011 أن بلاده تحول اهتمامها للإمكانات الهائلة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبدا ذلك كإقرار بهيمنة آسيا، وأن أوروبا في تراجع. لكن بعد مرور خمسة أعوام على جميع حلفاء أميركا، من أوروبا إلى آسيا، فإن القلق يعتريهم في ما يتعلق بمتانة التزامات أميركا بأمنهم. إذ تريد الدول تطمينات لإدراك وجود رادع لخصومها. فبقدر ما تمت زعزعة أوروبا من خلال العمل العسكري الروسي في أوكرانيا، تجبرنا الصين على إيجاد تعديل استراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. درس لم تتجذر توترات آسيا في الأعمال التنافسية بين الدول وحسب، بل أيضاً في معركة الذاكرة. إذ لم يجر التغلب على أضرار القرن العشرين. ففي شرق آسيا لم يتم الإقرار في الماضي بشكل صحيح. ولا زال رجع صدى حروب ذلك القرن يتردد، ولكن في أوروبا جرى الاعتراف بدروس التاريخ والتعلم منها.