على مدى عدة أعوام ظلت شكوى الكثير من الشباب المخترعين لا تخرج عن إطار واحد اسمه تأخر تسلمهم براءات الاختراع في الداخل، فيما يستطيعون الحصول عليها في غضون أسابيع قليلة من مكاتب دولية معتمدة، مما يعتبرونه تلكؤا وروتينا يقتل الإبداع والمبدعين ويحجم الاختراعات في المملكة. لكن النفي ظل أيضا حاضرا من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية باعتبارها صاحبة الحق في منح براءات الاختراع، والمتهمة في هذا التقصير، متمسكة في أكثر من مناسبة بنص المادة ١٢ من نظام براءات الاختراع والتصميمات، التي تنص على أنه «تقوم الإدارة بفحص الطلبات المسجلة من الناحية الشكلية، وإذا تبين من الفحص عدم استيفاء بعض الشروط المقررة نظاما، فلها أن تكلف مقدم الطلب باستيفائها خلال تسعين يوما على الأكثر من تاريخ إبلاغه بذلك، وإذا لم ينفذ ما طلب منه خلال الفترة المذكورة عد طلبه كأن لم يكن». لكن المادة لا تشفع للدفاع على اتهامات الكثير من المخترعين ممن يستوفون الشروط قبل انتهاء المدة المحددة، فلماذا التأخير؟ سؤال ربما يظل مكررا، لكنه يتجدد إذا علمنا أن المدينة التي يفترض أن تحمل على عاتقها هم دعم الاختراعات، تظل متهمة لعدة سنوات بنفس السؤال، فيما الرد يأتي مطابقا لما كان منذ سنوات، فلماذا تظل المدينة على مدى عدة سنوات مدافعة عن اتهامات واحدة، وهل من شأن المدينة الالتفات لما هو أبعد من تلك الاتهامات، وتجديد صورتها، وهل دور المدينة يتوقف على درء الشبهات والدفاع عن الاتهامات أم أنه يجب أن تنطلق إلى محاور جديدة يستفيد منها المجتمع بتحفيزه على الابتكار ودعمه، وهل مشاركاتها في المحافل الدولية مثمرة، وهل خططها للدخول إلى عالم المستقبل ناجحة ؟ وضعنا أسئلتنا على طاولة رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الدكتور محمد السويل، فوجدنا دفاعا عن بعض الاتهامات، ولم نجد إجابة على اتهامات أخرى، فيما ربما الجديد الذي خرجنا به هو أنه يعتقد صراحة في قاعدة مضمونها أن «البعض لا ينظر إلا للنصف الفارغ من الكأس»، قائلا: «لن ينصفونا إذا منحنا 99 مخترعا براءات من 100 متقدم، وسيركزون على الواحد المتبقي الذي لم يمنح البراءة». اتهامات التأخيـر • مازال الكثيرون يشكون من تأخر تسجيل براءات الاختراع أو الابتكار مما يحدوهم في السفر للخارج لتسجيل البراءة، إلى متى الاتهام ولماذا التأخير؟ ــ حينما يقدم الشخص طلبا للمدينة للحصول على براءة الاختراع، فإن الطلب يمر بمراحل كثيرة منها الفحص الموضوعي الذي يتطلب جهدا كبيرا، حيث نقوم بالبحث عن الفكرة المقدمة للبراءة في جميع قواعد المعلومات ومكاتب براءة الاختراعات الدولية وفي مصادر أخرى حتى نتأكد أن هذه الفكرة ليست موجودة سابقا، حيث إنه لا يحق لأحد منح براءة اختراع لفكرة موجودة سابقا، ولكن هناك مكاتب براءة أخرى لا تقوم بالفحص الموضوعي وبالتالي يمكن الحصول على براءة الاختراع منها خلال أسابيع قليلة، ولكن هذا لا يحمي صاحب الفكرة أن يتعدى عليها أحد فعند أي قضية ترفع عليه فهو الوحيد الذي سيكون أمام القضاء، ولكن ما نقوم به في المدينة وفي مكاتب دولية أخرى من الفحص الموضوعي يعطي صاحب الفكرة البراءة فهو يعطي يقينا أن له الحق الخالص فيها ولم يسبقه أحد إليها ولا يحق لأي أحد مشاركته فيها، وفيما يتعلق بالوقت فأود أن أبين أن الوقت العالمي يصل من سنتين ونصف إلى ثلاث سنوات في مكتب البراءة الأمريكي والأوروبي، والوقت الذي يقضيه زملاؤنا في مكتب البراءة السعودي هو أيضا نفس المدة ضمن المعدل العالمي. وللأسف لو تقدم للمدينة 100 شخص للحصول على براءة اختراع وتم منح 99 شخصا منهم براءة اختراع، فإن المتبقي الذي لم يمنح البراءة على فكرته أو تأخرت لسبب ما، هو الذي سيتم التركيز عليه بينما لا يتم التطرق لـ 99 الذين تم منحهم، وهذا ليس من الإنصاف للمخترعين الذين يستحقون إبـراز جهودهم، كما أنه ليس منصفا للمدينة وما تقوم به من جهود في هذا المجال، والمعدل العالمي لمنح البراءة أو رفضها بين سنتين ونصف السنة إلى ثـلاث سنوات، وهو نفس معدل الوقت لمنح البراءة أو رفضها في المدينة. تحلية المياه • أعلنتم في وقت سابق عن مبادرة الملك عبد الله لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، عبر ثلاث مراحل تستغرق تسع سنوات بواقع ثلاث سنوات لكل مرحلة، ماذا تم حتى الآن في هذا الجانب، وهل واجهتكم أي عقبات في سير المشروع، وهل يمكن إنجاز المشروع في وقته المحدد؟ ــ تواصل المدينة جهودها في تنفيذ مبادرة الملك عبد الله لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، حيث وضعت التصاميم الهندسية لمحطات التحلية ومواصفاتها الفنية، وقد أثمرت جهود المبادرة عن افتتاح معمل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية بدأ إنتاجه أواخر عام 2010م، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 3 ميجا وات في العام الواحد، وتم ترقية ورفع الإنتاج ليصبح 12 ميجاوات من الطاقة في العام الواحد. وقد استخدم في صناعة ألواح خلايا الطاقة الشمسية أحدث التقنيات والتجهـيزات المتقدمة في مجال تصنيع الخلايا الشمسية بحيث تكون الطاقة المنتجة من خلالها صديقة للبيئة ومساعدة على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وأنتجت المدينة 4500 لوح شمسي بطاقة قدرها (1) ميجاوات، وصنعت مجمعات شمسية عالية التركيز تم تركبيها على متابعات شمسية في محطتي أبحاث العيينة، والخفجي بطاقة قدرها 30 كيلو وات، لتركز أشعة الشمس بنحو 1600 مرة على خلايا شمسية ثلاثية الوصلة ذات كفاءة العالية، فضلا عن تصميم وتصنيع خلايا شمسية بكفاءة تصل إلى 12 %، وخلايا شمسية تقليدية من مادة السيلكون بكفاءة قدرها 21%، وتطويـر خلايا أخرى مرنة ومطعمة بالفسفور. وحاز معمل المدينة لإنتاج ألواح خلايا الطاقة الشمسية على شهادة الايزو العالمية للجودة الشاملة (ISO 9001-2008)، من شركة TUV الألمانية العالمية وذلك لما يتمتـع به المصنع من تجهيزات ومعدات لخط الإنتاج مطابقة للمواصفات والمعايير العالمية، وهذا المشروع يسير وفق ما خطط له وإن شاء الله يتم استكمال كامل محطة التحلية بالطاقة الشمسية بالخفجي في نهاية هذا العام أو بداية العام القادم. المحتوى العربي • أطلقتم مبادرة جديدة تحت مسمى (مبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي) ما هي المنجزات بالأرقام في هذه المبادرة؟ ــ أثمرت جهود مبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي عن ارتفاع نسبة محتوى اللغة العربية على شبكة الإنترنت لـيصل 3% عام 2012م مقارنة لما كانت عليه عام 1429هـ 0.3% حسب تقديرات شركة قوقل العالمية، أي تضاعف المحتوى عشر مرات خلال 4 سنوات. وأنهت المدينة ــ منفردة أو بالتعاون مع جهات أخرى ــ تنفيذ عدد من المشروعات التي تخدم أهداف المبادرة، ومن هذه المشروعات المدونة اللغوية العربية لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي تحتوي على 700 مليون كلمة، والمعجم العربي التفاعلي، والمقوم الآلي للنص العربي (عبر)، ومحرك آلي للتعرف على الحروف العربية المطبوعة، ونموذج حاسوبي لاستخدام تقنيات الويب الدلالية في تمثيل التقابل الدلالي في القرآن الكريم، ونظام التحليل النحوي للنصوص العربية المتاحة على الإنترنت، ونظام الترجمة الآلية، وتطوير نظام تفاعلي للتعرف الآلي على أصوات العربية ونطقها، وويكي عربي (1 ، 2)، وقاعدة بيانات الباحثين السعوديين، وتطوير محرك البحث العربي (نبع)، وبرنامج البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر (متاح)، وترجمة الكتب والمجلات العلمية، وتطوير نظام آلي لتقويم جودة قواعد البيانات الصوتية في أنظمة النطق الآلي، والبريد الإلكتروني بالعناوين العربية (رسيل) ، وبرنامج تفاعلي لتقويم رسائل الجوال العربية الفصحى والعامية «صافي»، ونظام للتدقيق الإملائي والتصحيح الآليين. الأقمار الاصطناعية • وماذا عن التطورات الجديدة في جانب تقنية الأقمار الاصطناعية السعودية ؟ ــ تواصل المدينة العمل على تطوير وتصنيع الجيل الثاني من أقمار الاستشعار عن بعد، حيث سيكون له أثر في تمكين المملكة من تصميم وتصنيع أقمارها الاصطناعية بتقنيات منافسة عالميا، كما تعمل على تطوير منصة قمر اصطناعي من خلال تصميم وبناء واختبار هيكل قمر اصطناعي مع الأنظمة الإلكترونية اللازمة قادرة على حمل مجموعة متنوعة من الحمولات ذات الأغراض المختلفة يمكن استخدامه في مهمات بحثية بدون الحاجة إلى تعديل جذري في التصميم لكل مهمة. الحرب الإلكترونية • استضافت المدينة الندوة الثالثة للحرب الالكترونية، ما الذي يمكن الاستفادة منه في هذه الندوة؟ ــ تأتي الندوة الثالثة للحرب الإلكترونية امتدادا للجهود التي تبذلها القيادة الرشيدة لرفع الوعي بأهمية الحرب الإلكترونية في الحروب المعاصرة ودورها الفعال في رفع الكفاءة فمن يملك التقنيات المتقدمة في مجال الحرب الإلكترونية يملك التفوق على خصومه، وقد هدفت إلى التعريف بأهمية الحرب الإلكترونية والاطلاع على أحدث المستجدات في هذا المجال فضلا عن دورها الحاسم بالدفاع في ظل التطور المستمر والتقدم السريـع والمتزايد في الحرب الالكترونية، بما يستوجب تضافر الجهود لمواكبة الفرص والتهديدات والتدابير المضادة. وناقشت على مدى يومين عمليات الحرب الإلكترونية والكهرومغناطيسية التوافقية، وأنظمة الجيل الجديد، والتدريب والتأهيل في مجال الحرب الالكترونية، والدفاع الإلكتروني: قوة وحماية، وكذلك المراقبة الإلكترونية والهجوم الإلكتروني، والمفاهيم الجديدة في عمليات الحرب الالكترونية، والحرب الإلكترونية والنمذجة والمحاكاة، وقد أسفرت هذه الندوة عن إيجاد العديد من البرامج المفيدة التي ترسخ مبدأ ضرورة امتلاك المقدرة الوطنية في هذا المجال من خلال تشجيع البحوث والندوات والدراسات العلمية المتخصصة التي تعمل على حل ما يواجهنا من عقبات في مجال التقنية. البحث العلمي • ما هي الحوافز التي تقدمها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم حركة البحث العلمي في المملكة؟ ــ تسعى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى إيجاد منظومة متكاملة لمتطلبات البحث العلمي والتطوير في معامل ومراكز المدينة، ودعم البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث في المملكة وخدمات الدعم التي تبدأ من تأمين المعلومة ثم حماية الفكرة ودعمها ماديا وتقديم التوعية العلمية اللازمة، وذلك من أجل الوصول إلى مجتمع قائم على المعرفة، ومن هذا المنطلق حرصت المدينة على بناء قاعدة معلوماتية علمية تقنية متميزة تساعد الباحثين على أداء مهامهم بشكل أسرع وأدق وبكل سهولة، لذا قامت المدينة بتأمين قاعدة معلوماتية مميزة للباحثين تشترك بأكثر من 32 قاعدة ونظاما معلوماتيا دوليا يتضمن ملايين الوثائق العلمية والتقنية المعتمدة، إلى جانب القواعد الوطنية العربية والإنجليزية التي تحتوي على 145 ألف تسجيلة، كما تقوم المدينة بحفظ حقوق المخترعين من خلال مكتب البراءات السعودي الذي دخل مؤخرا لمعاهدة التعاون بشأن البراءات (pct) والتي تتيح للمخترعين السعوديين حفظ حقوقهم دوليا، وفي مجال الدعم المادي تبنت المدينة عددا من برامج المنح البحثية قدمت من خلالها الدعم المالي والفني للباحثين للقيام بالبحوث التطبيقية والإنسانية من أجل إيجاد الحلول لبعض المعوقات والمشكلات التي تواجه خطط التنمية وتشمل هذه البرامج برنامج المنح الأساسية وبرنامج المنح التطبيقية وبرنامج المنح التطويرية وبرنامج المنح الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب حاضنات التقنية التي تعنى باحتضان المخترعين والمبتكرين السعوديين وتوفير الدعم المادي واللوجستي، وفي مجال الجوائز تقوم المدينة بالإشراف على عدد من الجوائز التي تعمل على دعم وتنمية قدرات الموهوبين والمبدعين والعلماء ومن تلك الجوائز جائزة خادم الحرمين الشريفين لتكريم المخترعين والموهوبين «تكريم»، وجائزة المراعي للإبداع العلمي، وجائزة متاح الوطنية لدعم البرمجيات الحرة، وتحفيز الطلاب على الإبداع العلمي من خلال مسابقة الأولمبياد الوطني للرياضيات والفيزياء وتجارب الطلاب في محطة الفضاء الدولية وتدريب الطلاب الموهوبين. تواصل المجتمع • هل هناك خطة عمل أو استراتيجية ذات أهداف واضحة تعتمدونها لتفعيل بادرتكم التي بدأتموها في السنوات الأخيرة بالتواصل مع كافة شرائح المجتمع بشكل أفضل من السابق ونشر الوعي العلمي بين أفراده؟ ــ أولت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية اهتماما خاصا بالتواصل مع كافة شرائح المجتمع ونشر الوعي العلمي في مجال العلوم والتقنية وأنشأت إدارة متخصصة لهذا الغرض، وأقامت العديد من الندوات وورش العمل واللقاءات العلمية، من بينها الملتقى الثقافي الأول الذي شارك فيه نخبة من المفكرين والكتاب والإعلاميين، والمؤتمر السعودي الدولي للثقافة العلمية الذي نظمته المدينة بالتعاون مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات إلى جانب دورة للتحرير العلمي، وضمن متطلبات الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار التي أكدت على توجيه وسائل التوعية المختلفة لتعميق إدراك أفراد المجتمع وعامة القطاعات الحكومية والخاصة بالدور الحاسم للعلوم والتقنية في تحسين الكفاية الإنتاجية، وزيادة القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية والارتقاء بمستوى معيشة الوطن، وضمن هذا التوجه لاتزال المدينة تواصل جهودها للتواصل مع شرائح المجتمع كافة من خلال تنظيم معرض أسبوع العلوم والتقنية السنوي والمشاركة في المعارض الدولية والمحلية، كما تعمل على نشر الوعي العلمي بين أفراد المجتمع من خلال المجلات العلمية التي تصدرها والمجلات العالمية التي تترجمها باللغة العربية وذلك ضمن الخطة الإستراتيجية التي وضعتها للتحول إلى المجتمع المعرفي. وفي إطار التواصل مع وسائل الإعلام المختلفة وتسليط الضوء على الأنشطة العلمية والبحوث التي تمس حياة المواطن، عملت المدينة في السابق على إصدار صفحة علمية في الصحف، كما قامت بالعمل على إنتاج عدد من البرامج العلمية المتنوعة عبر القنوات السعودية من بينها برنامج «أبحاث» الذي يعرض هذه الأيام على إحدى قنوات التلفزيون السعودي. والحقيقة إن التواصل مع كافة شرائح المجتمع ونشر الوعي يأتي من ضمن أهداف المدينة، وينسجم مع ما ترمي إليه الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية التي ركزت على التوعية العلمية كضرورة حتمية تساعد في إيجاد الوعي الاجتماعي والبيئة الملائمة لنمو العلوم والتقنية والإسهام في التحول إلى مجتمع المعرفة وبناء اقتصاد معرفي.. المفاعلات النووية • هل تبذل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية جهودا حاليا للتعامل مع مشكلات المفاعلات النووية؟ ــ أود أن أشير هنا إلى أنه بعد إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة فإن المواضيع التي تتعلق بالطاقة النووية والحماية من الإشعاع قد انتقلت بمسؤولياتها وكل ما يتعلق بها إلى مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة.