بصفته رمزاً لإبداع العقل البشري يحتفل العالم (21 مارس من كل عام) باليوم العالمي للشعر منذ عام 1999م، إذ تشيد «اليونيسكو» بالرجال والنساء الذين لا يملكون سوى أقلامهم وألسنتهم للتعبير عن أفكارهم وآرائهم وخواطرهم، وتنظم الفعاليات سنوياً في هذا التاريخ بهدف تجديد الاعتراف وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية، ودعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، بالإضافة إلى دعم الشعر، والعودة إلى التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، وتعزيز تدريس الشعر، وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى، ورغم تشجيع "اليونسكو" الدول الأعضاء على القيام بدور نشط في الاحتفال باليوم العالمي للشعر، إلاّ أننا في كل عام نجد أنفسنا أمام شح من الفعاليات، التي كنا ننتظرها من المدارس، والجامعات، والمجمعات الشعرية، والمتاحف، والرابطات الثقافية، ودور النشر، وغيرها، فالظاهر أنّ محاولات إيحاء هذا اليوم خجولة، والأكيد أنّها لا ترقى للمأمول. الاستثمار في الشعر من جهته تساءل د.عبدالله السفياني -وكيل عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة المجمعة مؤسس الموسوعة العالمية للشعر العربي-: في يوم الشعر العالمي ماذا قدمنا للشعر؟ هل يمكن أن يكون للشعر يوم عالمي دون أن يستحق الشعر هذه الحفاوة؟ مضيفاً: "نحن العرب يربطنا بالشعر أواصر قربى، ووشائج تكاد تختلط باللحم والعظم، فما زلنا نكرر بتفاخر عظيم: (لا يترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين!)، ومستوى العلاقة في خيالنا الجمعي يصل إلى حدود المقدس، فبالشعر ومن خلاله ثبت للأمة إعجاز القرآن، وقامت نبوة النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك لما حام طه حسين حول هذا الحمى كانت العاصفة أكبر مما يتصور عميد الأدب العربي!، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يحضر يوم الشعر ويغيب الشعر؟ والغياب هنا غياب واسع المعنى باعتباره تاريخا وثقافة وصانع وناقل هوية ونمط تفكير!، الغياب في تحول الشعر العربي في جزيرة العرب ومملكة لغتها إلى برامج إثراء تسيج لغة القرآن بالجمال والجلال". وأشار إلى "رغم أننا في الموسوعة العالمية للأدب العربي نقف في هذا الخندق، ونرى أنّ خارطة الوطن العربي تعيد إنتاج شعراء أفذاذ سيكون لهم في المستقبل القريب كلمة مدوية، لكن ما يقدم لهم من الدعم والرعاية والعناية لا يتجاوز برامج المسابقات والمناسبات التي تخضع في أحيان كثيرة لحسابات ليس للشعر فيها علاقة!، وما زلنا نسأل: كيف يمكن أن نستثمر طاقة الشعر وجمالياتها في تغيير خارطة الوعي بالذات وبالآخر؟ وكيف نقدم أنفسنا في لغة حضارية تقول بكل اعتزاز ها أنا ذا؟ وهذه الأسئلة المدببة تصل نصالها أول ما تصل إلى المؤسسات والمنظمات العربية الرسمية، لتقدم جواب الحاضر والمستقبل عليها، وإن كنا لا ننكر أنّ هناك بذلا وجهدا من بعضها يستحق الذكر والشكر، ولكن المسافات أبعد والطريق أطول، ولا زلنا بحاجة إلى وثبة ترتب لغتنا وذائقتنا، وتبني هويتنا الحضارية، ولعل يوم الشعر العالمي يكون مفتتح السؤال وبداية الإجابة. سيد الكلمات فيما قال الشاعر فايز ذياب: "مذ كان الشعر ديوان العرب والاحتفاء به يكون على مدار العام، أما وقد دارت به الأيام دورتها وآلت به السنون مآلها، فإن يوما واحدا في السنة يكون مكسبا كبيرا للشعر والشعراء، حتى وإن قصرت أغلب المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في شأنه، فيكفي أن نشعر بوجوده بيننا، تارةً نعلو مع بحور أوزانه وأخرى نغور في أودية معانيه، نتلمس دروب الشعراء ونستجلي ظلال مفرداتهم"، مضيفاً: "هذا اليوم مناسب لنقرأ الشعر بصوت مرتفع، ولأن نتذكر الشعراء الذين مضوا في حياتهم وتركوا لنا قصائد نلجأ إليها لنستمد منها الحب، والفخر، والجمال، وكل المعاني الإنسانية، نقول للشعر في يومه: أنت سيّد الكلمات دوما، حتّى وإن طال غيابك". الشعر ليس موسمياً وشدد الشاعر محمد التركي على أنّ "الشعر يتنفس كل يوم، دون ضجيج، يعبر الشعر بين النفس والنفس، ويكبر من الصرخة إلى الهمس، ويوم الشعر هو يوم احتفاء بما كتبه ورثة امرئ القيس، ولن يستطيع يوم واحداً أن يحتمل ما لا يطيق من هموم الشعراء والنقاد، ومحاولات بعثه أو تغييره أو فهمه، خصوصا إذا كنا نتحدث عن الشعر، أكثر مما نسمعه، ونقرأ الدراسات حوله أكثر مما نقرؤه، وهذا ينطبق على الإبداع بشكل عام، فنحن نفضل مقاعد المتفرجين على خشبة المسرح". وقال: "تفعيل يوم الشعر ليكون انطلاقة لأيام أخرى للشعر أمر ضروري للغاية، بعيداً عن البيروقراطية التي تقتل الشعر وتدفع الجمهور إلى الهرب، الشعر هو ما كان قريباً من النفس، ويظل كذلك، فحين نريد منه أن يكون للاحتفال والتصفيق فلن يحضر، الشعر ليس موسمياً، فهو ينمو في التفاصيل اليومية البسيطة، وعلينا أن نقدمه في مكانه ولأهله".