هناك مصطلحات ظهرت في عصور مختلفة وهي تتكرر على مسامعنا يوميا بصور عديدة، منها ما هو مفهوم وبعضها الآخر لا نفهم معناه ولا ماهيته، في حين خرج علينا عصر الحداثة وما بعدها بالديمقراطية والبيروقراطية والحزبية والتعددية والاشتراكية وغيرها من المصطلحات التي تمتلئ بها الصحف اليومية، ويضاف إليها مصطلح «المجتمع المدني» الذي يحتاج إلى التعريف به، كما يحتاج المجتمع إلى التوعية بأهميته. فالمجتمع المدني عبارة عن مؤسسات اجتماعية سلمية تشكل عصب الديمقراطية الدستورية في إطار مدني شعبي يمتلك أفراده طموحات عالية وقناعة تامة للقيام بأعمال تطوعية ومبادرات مدنية لتحقيق أهداف وطنية على مختلف المستويات والأصعدة، ويسعى الأفراد أو الجماعات في سبيل تحقيقها على أرض الواقع، وتسمى أحيانا بالحكومة الشعبية التي تكون قريبة جداً من الشعوب وتساهم في تنمية الحس الوطني لديهم وتعمل على حل مشكلاتهم وتطوير أدائهم وتعمل على تقارب وجهات النظر بين السلطة النظامية ومطالب الجماهير الشعبية كالنقابات والجمعيات الحقوقية والهيئات والمنتديات الاقتصادية والأندية بمختلف مكوناتها الأدبية والثقافية والرياضية التي تنظم أعمالها في مساحة من الحرية تحت مظلة الدولة بعيداً عن التدجين والمراقبة والإقصاء أو أي شكل من أشكال المنع، فكلما كان المجتمع حرا زاد إبداعه وتميزه في خدمة ذاته ووطنه، وحينما يطمئن الإنسان إلى نفسه ويضمن حريته في التفكير والتنظيم والاستقرار الاجتماعي والعاطفي فإنه سيعمل على رقابته الذاتية، وسيكون حريصا على إتقان عمله وضمان نفسه من أي انحرافات، وكل ذلك يصب في مصلحة الوطن واستمرار تقدمه. الجذور التاريخية للمجتمعات المدنية تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، لكنهم يلتقون حتما عند نقطة النشاط الحيوي الذي يقدمونه للأوطان فتظهر قوتهم عند الكوارث البيئية والأزمات السياسية والحروب، فدول العالم المتقدمة تعتمد في سياستها الاجتماعية على المساهمة الفعلية للمجتمع المدني في الحياة العامة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا، وتهتم تلك الدول بالعنصر البشري اهتماما كبيرا، حيث تسعى لدمجه في عملية التنمية البشرية التي تستهدف الإنسان وتطوره الاقتصادي وتحسين ظروفه المعيشية والتركيز على خدمة الإنسان للإنسان ليستفيد الجميع من كل ما هو تحت الشمس. ولأننا جزء من العالم فلابد من السعي الجاد لإشراك المجتمع في تحقيق أهداف التنمية، لنستعيد تفوقنا الحضاري الذي ذهب ضحية الأفكار العقيمة التي ابتلينا بها ووضعتنا في آخر القائمة، فمؤسسات المجتمع المدني في الأوطان العربية تمر بآليات معقدة منذ البدء حتى يكتمل بناؤها الإداري ولن تنجح هذه المؤسسات في التنمية البشرية وخدمة الإنسان ما لم تجد الدعم الحكومي الخالص والمساندة الوطنية المخلصة. وبعيدا عن الجهوية والتمييز العنصري والطائفي فمن الواجب رعاية هذه المؤسسات وتشجيعها، ويجب على المثقفين الوقوف معها ودعمها بالآراء التقدمية التي تهدف إلى تطويرها وتقدمها للوصول إلى دولة مدنية حديثة تتضافر فيها الجهود المدنية والحكومية تحت مظلة السلطة التشريعية التي لا تتعارض مع القوانين والأنظمة المعمول بها.