المنافسات والمعتركات السياسية ليست حديثة العهد بل هي قديمة قدم الزمان، تنوعت أهدافها وأدواتها وأبواقها وصورها باختلاف الحضارات ووعي الشعوب وثقافتهم، لكن الهدف النهائي لم يتغير وهو الحصول على نسبة كبيرة من المكاسب السياسية وصولا إلى الزعامة المنشودة، ولعل ضعف بعض الأحزاب والجماعات وخواء منهجها جعلها تقحم الإسلام، كمنهج ريادي لا يختلف عليه المسلمون، لمحاربة وإضعاف أي تيارات أخرى لا تتفق معها، حيث يتيح لها الاختباء خلف عباءة الإسلام مساحة تتمكن من خلالها من التوغل في أنسجة مجتمعات إسلامية عديدة ثم تحقيق أهدافها وغاياتها غير المشروعة بسلاسة ويسر. وبعيدا عن الخوض في تحليل المشهد السياسي الذي عصف بالعديد من الدول الشقيقة كظهور الإخوان المسلمين بمصر وطالبان بأفغانستان وغيرهم، فإن الحركة التي تصدرت المشهد السياسي من ثلاثة عقود ماضية وخاضت في الحياة السياسية باسم الدين وتاجرت به بلا وازع من دين وأخلاق هي ما يسمى بحزب الله، والذي ادعى مؤسسوه بأن الهدف منه هو فرض سيادة اللبنانيين على كامل التراب اللبناني وطرد العدو الإسرائيلي خارج حدود البلاد، إلا أن حقيقة هذا الحزب وكونه متبنيا للأيديولوجية الإيرانية المتمثلة في ولاية الفقيه، أظهرت حقيقة هذا الحزب وأوضحت نواياه الخفية كونه ذراع إيران العسكرية في الشرق الأوسط وبخاصة في دولة لبنان الشقيقة. لم يحظ حزب الله في ما سبق باهتمام كاف داخل الأوساط السياسية العربية حيث تم اعتباره من قبل الأغلبية العظمى من دوائر صنع القرار في الدول العربية شأنا لبنانيا داخليا بحتا، رغم وجود بعض الشكوك حول نواياه في اقتناص الفرصة المناسبة للانقضاض على الكيانين الإسلامي والمسيحي معا، وفرض المذهب الشيعي ونشره داخل كافة مناطق الأغلبية السنية، غير أن تولي بشار الأسد للسلطة في سوريا مهد الطريق لهذا الحزب للخروج علانية وفرض نفوذه داخل لبنان وخارجها، فقد شكل تحالفا ثلاثيا اتضحت أضلاعه الثلاثة للجميع ممثلة في سوريا وإيران وحزب الله، كما أن الانتفاضة الباسلة للشعب السوري على طاغيته كشف المستور فما كان من بشار إلا أن استعان بأقرب حلفائه وأشدهم تمرسا في فنون حرب الشوارع وهو حزب الله، والذي دخل الحرب السورية مخلفا تركة ثقيلة من الدمار والدم معتقدا أن بإمكانه تغيير معادلة الحرب السورية وترجيحها لكفة نظام بشار الأسد المجرم، ومراهنا على دعم إيران ومن بعده روسيا، ومتحديا إرادة الشعب السوري وساعيا لتحطيمه وتهديم بنيانه وتقويض دعائمه. إن انتصار هذا المثلث ميدانيا سيكون له أبلغ الأثر وأمر التداعيات على المنطقة العربية بأكملها وخاصة منطقة الشرق الأوسط، فلم يعد من المقبول الصمت إزاء هذا الإقحام وهذا التمسح السافر بالإسلام والادعاء بأن حفنة من المرتزقة من هنا وهناك هم وحدهم حزب الله وجنوده، ومن غير المنطقي أن يظل العالم صامتا إزاء التدخل الإيراني السافر في سوريا والذي يوشك على تحقيق أهدافه ووأد حرية وإرادة الشعب السوري الجريح، ولا يجب أن ننتظر حتى يحدث ما حدث بمصر حيث أوشكت جماعة الإخوان على تنفيذ خططهم وتحقيق أهدافهم بمباركة إيرانية لولا لطف الله ورعايته للانتفاضة الباسلة التي قام بها الشعب المصري الذي أدرك المخطط الخبيث وكشف التآمر وهزم قادة الفتنة ودعاة الضلال. ولعل الخطوة التي قام بها الاتحاد الأوروبي اليوم بإدراج الجناح العسكري لحزب الشيطان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية يعيد بعضا من الحق المسلوب تجاه هذا الحزب الباغي، وهو قرار انتظرناه كثيرا وانتظرته غالبية دول العالم وترقبته باهتمام شديد، فالإدانة الدولية بالطبع ليست كافية، والإجراءات المتعلقة بالقرار من عقوبات على المتعاملين مع الحزب أو تجميد أرصدة أعضائه ليست كافية أيضا للرد على هذا الحزب، ولكن قد تكون بداية الغيث قطرة وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وحسبنا في هذه المرحلة أن نعتبر أن قرار إدراج الحزب ضمن قائمة المنظمات الإرهابية دليلا دامغا على تحديه اليائس لثورة سوريا ورد اعتبار ولو ضئيل للمائة ألف شهيد الذين سقطوا بطلقات ومدافع بشار ونظامه الطاغوتي، وبرهانا على إصراره على استعداء النظام العالمي وفرض أجندته المشبوهة على بقية دول العالم الحر.