المَرأة، و»الشغّالة»، وعَامِل النَّظَافَة؛ مِن أكثَر الفِئَات التي لَا نَأخذها عَلى مَحْمَل الجدّ في مُجتَمعِنَا.. وإذَا أَردنَا أنْ نُضيف صنفًا رَابِعًا لقَائمة الأشيَاء التي نُقلِّل مِن قِيمتِهَا، سنَجد أنَّ «الطَّابور» مِن المَفَاهيم التي تَلتبس عَلى البَعض، فهُنَاك مَن يَعتبرونه مِعيَارًا للفهلَوَة، وهُنَاك مَن يَعتبره مِقيَاسًا للكلَاحَة..! أَتذكّر أنَّ الفَنّان السّوري «ياسر العظمة»، ضَرَب مَثلاً للفهلَوَة في إحدَى حَلقَات المُسلسل القَديم «مرَايَا»، حَيثُ كَان يَتعمّد تَناول سَاندويتش غَارِق في الثّوم؛ قَبل أنْ يَذهب إلَى مُرَاجعة الدَّوائِر الحكُوميّة، ومَا أنْ يَقف في الطَّابور، حتَّى يَبدأ عَدَد الوَاقفين أَمَامه بالتَّناقُص، هَربًا مِن الرَّائِحَة الكَريهَة المُنبَعِثَة مِنه، ليَجد نَفسه خِلال دَقَائِق عَلى رَأس الطَّابور.. ولَا تَقف الفَهلَوَة عِندَ هَذا الحَدّ، بَل حَتَّى المُوظَّف الذي يَستدعيه للنَّظر في مُعَاملته، يَضطرُّ لاستعجَال الإجرَاءَات، وغَضّ الطَّرْف عَن النَّواقِص؛ لإنهَاء المُعَاملة فَورًا، حتَّى يُريح أَنفه مِن رَائحة الثّوم..! أكثَر مِن ذَلك، كَتبتُ مُؤخَّرًا «قصّة قَصيرة» في «تويتر» عَلَى هَيئة تَغريدة تَقول: «سَألني: كَيفَ عَرفتَ أنَّ السّعوديين يَهتمُّون بأوقَاتِهم؟ قُلت: لأنَّهم لَا يَقفون في الطَّابور، فالطَّابور مَضْيَعَة للوَقت». هَذه التَّغريدَة كَانت كالنَّار التي تَجلب الفَرَاشَات إليهَا، فأثَارت تَفاعُلاً جَميلاً مَع بَعض المُتَابعين، ومِنهم الأُخت «شهرزاد بريدة»؛ التي عَلّقت قَائلة: (نَحنُ نُخَاصم الطَّابور لأنَّنا مَخذولون! هُنَاك مَن سيَقفز أكتَافنا! هُنَاك مَن يَتخطَّى رؤوسنَا! فَضلاً عَن أنَّ الطَّابور يَرونَه عَشوَائيّة، ونَرَاهُ حِكْمَة)..! ثُمَّ رَوَى الأخ «فهد» تَجربته الشَّخصيّة مَع الطَّابور في الغَرب، قَائِلاً بسُخرية: (في لَندن، وَقفتُ في طَابور مِن السُّيَّاح لزيَارة مَتحف، لمُدَّة خَمسِ سَاعَات، وبَعد خرُوجي اقتنَعتُ أنَّهم يَعشقون إضَاعة الوَقت! هَذه قنَاعتي ولَن تُغيِّرهَا). أمَّا الأُخت «مُبتغَى»، ذَكّرتنا بمُفَارقة وصُول الطَّابور لَدينا إلَى بَائِع الفُول، قَائِلَة -بالتَّلميح لَا بالتَّصريح-: (عَلى طَاري الطَّابور، تَرَاني اشتَهيتُ آكُل مطبّق، وفُول، وتميس.. مَلّينا مِن أَكل الأمريكَان)..! كَما ذَكّرنا الأخ «سليمان عبدالله» -مَشكورًا- باحترَام الإسلَام للطَّابور، قَائلاً: (المُشكِلَة أنْ تَعدِّي الطَّابور مُخَالف للشَّريعَة، ومَع ذَلك لَا مُشكلة). وعَلّق -أيضًا- الأخ «وليد الهويمل» -عَلى تَغريدة الطَّابور- فقَال: (تَطرَّفْنَا في عِشق النِّظَام حَتَّى قَتلنَا النِّظَام حُبًّا.. «ومِن الحُبِّ مَا قَتَل»). ثُمَّ عَلّق مُغرّد آخَر رَمَز إلَى نَفسه باسم «توباز» قَائلاً: (يَتخطّون الرِّقَاب مِن أَجل الوَقت)..! كَما جَاء تَعليق مُختصر مِن الأخ «أبوثامر» يَقول فِيهِ: (تَغريدة مفرهَدَة)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ أُشير إلَى أنَّني استَبعدتُ أكثَر التَّعليقَات، إمَّا بسَبَب ضِيق المسَاحة، أو بسَبَب اكتفَاء البَعض بكَلِمَة أو كَلِمَتين، أَو بالتَّعليق عَلى طَريقة «هههههه».. وسأكتُب عِدّة مَقالات عَن حِكَايَات الطَّابور؛ التي لَا تَنتهي، فكُلّ يَومٍ يَخترع أعدَاء الطَّابور أَسَاليب جَديدَة للتَّحايُل عَليه، ولَيس أسوَأ مِن هَؤلاء؛ إلاَّ الذين يُبرِّرون لَهم أفعَالهم الشَّنيعَة، فمَثلاً حِين تَتذمّر مِن فِعلة الشَّخص الذي يَتجَاوزك في الطَّابور، قَد يَتظَاهر بأنَّه أَصمَّ، مُعتَمِدًا عَلى أنَّ الشَّخص الذي يَقف خَلْفك سيَقول لَك: «يَا أَخي لِمَاذا أَنتَ مستعجل؟ كُلّنا حنَمشي»..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com