توصف الشخصيات الشعبية في البرازيل بأنها رائعة أو براقة، مثل لاعب كرة القدم الشهير نيمار جونيور أو عارضة الأزياء جيزيل بوندشين. ولكن بطل هذا العام هو القاضي الاتحادي ذو السترة الداكنة سيرجيو مورو، الذي هو وفقا لأصدقائه «رجل مثابر». وأصبح اسم مورو، أحد الأسماء المألوفة في عمله، من حيث توليه الكثير من المحاكمات المتعلقة بإحدى فضائح الفساد الضخمة. والفضيحة التي اتخذت اسم «غسل السيارات» في الإعلام البرازيلي، قد هزت بعضا من أهم المؤسسات في البرازيل، بما في ذلك شركة النفط المملوكة للدولة «بتروبراس» وحزب العمال الحاكم في البلاد منذ 12 عاما. وتمكن مورو من سجن سياسيين ومديرين سابقين في أكبر الشركات البرازيلية، ممن كانوا على صلة وثيقة بتلك الفضيحة، مما يعتبر تهديدا مباشرا لحكومة الرئيسة ديلما روسيف التي هبطت شعبيتها لدرجات من التدني غير مسبوقة. وعندما اندفع المواطنون البرازيليون إلى شوارع المدن احتجاجا على الفساد والدعوة إلى عزل روسيف في أربع مناسبات متكررة خلال هذا العام، ارتدى الكثير منهم قناعات تحمل وجه مورو، ولافتات تحمل اسمه. وكشفت تحقيقات فضيحة «غسل السيارات»، التي بدأت في مارس (آذار) 2014، ويشرف عليها فريق من أعضاء النيابة العامة في كوريتيبا، أن المقاولين دفعوا عمولات ورشى للسياسيين في مقابل الحصول على عقود في شركة «بتروبراس» الحكومية النفطية. ونتيجة للمعلومات المعلنة، تعين على الشركة شطب ملياري دولار من التكاليف ذات الصلة بالرشى والاستثمارات المستقطعة. كان تأثير تلك الفضيحة على شركة النفط البرازيلية العملاقة وعلى مورديها هائلا، حتى إنها ساعدت على هبوط البلاد في هوة الركود. وفي العاصمة برازيليا، يشرف فريق مستقل من أعضاء النيابة العامة على التحقيق مع عشرات من المشرعين على صلة بتلك القضية، ومن بينهم إدواردو كونها، رئيس غرفة النواب في البرازيل. وقال المحققون الحكوميون إن «النائب المذكور وعائلته لديهم ملايين الدولارات في حسابات مصرفية في سويسرا». وقال غوستافو دي أوليفيرا، أستاذ القانون لدى جامعة ساو باولو، الذي يلقي فيها محاضرات حول الفساد، أن عمل مورو يحول اللامبالاة التي انتشرت على نطاق واسع إلى مشكلة ذات ثقل كبير داخل البرازيل، وأضاف: «مورو يغير للغاية القيم داخل المجتمع البرازيلي». ويقول دي أوليفيرا: «نجح مورو في تغيير الأسلوب الذي تُحاكم من خلاله قضايا الفساد، حيث صعّب إجراءات الخروج من السجن بكفالة، ما دفع الكثير من المتهمين إلى تسليم الأدلة التي بحوزتهم والتعاون مع الحكومة، وهو الإجراء الذي لم يكن متبعا ولا شائعا من قبل في البرازيل». وأصبح حجم الفساد واضحا لدى السلطات بعدما أبرم باولو كوستا، المدير التنفيذي لشركة «بتروبراس» ورجل الأعمال العامل في غسل الأموال ألبرتو يوسف صفقات بالتعاون مع النيابة العامة. ولقد أسفرت التحقيقات في فضيحة غسل السيارات عن سجن أكثر من 100 شخص، وتمكن المحققون الحكوميون من استعادة 3 مليارات دولار في صورة رشى في الشهر الماضي. ولكن الأساليب المستخدمة في التحقيقات وفي محكمة القاضي مورو تثير الكثير من الجدل. ويقول إيف غاندرا مارتنز، وهو محام وأستاذ للقانون في جامعة ساو باولو فرع ماكينزي، إن «مورو قد يستخدم (التعذيب النفسي) للضغط على المتهمين بقصد الوصول إلى صفقات الالتماسات القضائية، مما يتعارض مع مواد الدستور، الذي يضمن «حق الدفاع الكامل» للمتهمين، مضيفا: «إذا سجنت أحد الأشخاص، ويظل هذا الشخص داخل السجن حتى تفعيل إحدى الصفقات بشأن الأدلة الحكومية، فأغلب الظن هنا.. من إحدى الزوايا هو لصالح التعاون مع السلطات». أما نابور بلهوز، وهو محام لدى مجموعة «اودبريشت»، واحدة من أكبر التكتلات التجارية في البرازيل، والذي تعرض مديرها التنفيذي مارسيلو أودبريشت للسجن منذ يونيو (حزيران) الماضي، بناء على أوامر بالاحتجاز المسبق قبل المحاكمة على صلة بالتحقيقات الحالية، يقول إن «مورو لا يتمتع بالحيادية القضائية، إنه يبدأ العمل وفق افتراض أن الجميع مذنبون». ويقول أصدقاء مورو إنه قاض غير معتاد، وإنه يتميز بقيم أخلاقية عميقة ويعمل بمنتهى الجدية، ويولي اهتمامات خاصة للتفاصيل، كما يقولون. كما أن خلفيته القانونية تجعله مؤهلا ومستعدا بصورة فريدة للحكم في مثل تلك القضايا. ومن أصدقاء مورو، أندرسون فورلان، وهو قاض اتحادي كذلك، ويقول إنه عبر حياة مورو المهنية، أظهر حسا قضائيا حديثا للعدالة في البلاد، ولقد حكم ذات مرة أن المعاقين يتعين حصولهم على نفس مزايا المتقاعدين من الأصحاء. أما المحامي كارلوس زوكولوتو، فكان يتقابل في عطلات نهاية الأسبوع مع القاضي مورو لتدخين السيجار. ويقول إن «مورو أخبره ذات مرة أنه أراد أن يفعل في حياته المهنية شيئا كبيرا يعود بالنفع والفائدة على المجتمع». * خدمة «واشنطن بوست» خاص لـ«الشرق الأوسط»